هذه الآية؛ ليبين لهم أن تقوى الله -سبحانه وتعالى- خير ما يرتدون، وتأتي بتحريم أن يطوفوا بالبيت عرايا. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((أن لا يطوف بالبيت عريان)) فجاءت القراءة على الوجهين؛ لتؤكد هذا المعنى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾، "ولباسَ التقوى ذلك خير".
كذلك قرئ في الرفع والنصب قوله تعالى: ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ (المسد: ٤) قرئ: ﴿حَمَّالَةَ﴾ بالنصب، وقرئ "حمالةُ" بالرفع، وعلى تلك القراءتين يظهر الفرق بين تعدد الأوصاف المذمومة بهذه المرأة -امرأة أبي لهب- فقراءة النصب تنصرف على أنها مذمومة معينه مخصوصة بهذا الوصف القبيح الذي يضاهيها، أو الذي يناسبها ويشاكلها بأنها حمالة الحطب، وقراءة الرفع على أنها خبر لامرأته: "وامرأته حمالةُ الحطب" هذا إخبار من الله -سبحانه وتعالى- عن هذه المرأة. ومعلوم أن القراءات وإن اختلفت إلا أنها تؤدي إلى معنًى واحدٍ، أو تنوع المعنى دون اختلاف، فمعلوم أن القراءات لا تتعارض، أي: لا تعارضَ بينها وإنما تخدم في المعنى الموجه إليه.
كذلك قول الله -سبحانه وتعالى-: ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ (التوبة: ٤٠) فقرئ: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ﴾ على الاستئناف، وقرئ: "وكلمةَ الله" على العطف، أي: جعل كلمة الذين كفروا السفلى وجعل كلمة الله هي العليا. وقد تحدَّث المفسرون في هذه الآية على كون: ﴿هِيَ﴾ ضمير فصل يرجح الرفع بأنها وقعت بين المبتدأ والخبر، فقال الطاهر بن عاشور: ﴿وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا﴾ مستأنفة بمنزلة التذييل للكلام، بأنه أخبر عن "كلمة الذين كفروا" بأنها سارت سفلى، أفاد أن العلاء انحصر في دين الله وشأنه، فضمير الفصل مفيد للقصر، ولذلك لم تعطف كلمة:


الصفحة التالية
Icon