أولًا: نقول: إن الله -سبحانه وتعالى- أكد في كتابه أن كتابه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه تنزيل رب العالمين، وأنه أُرسل إلى رسولنا -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأكد الله -سبحانه وتعالى- أن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى، وأكد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يتلو قبل بعثته كتابًا ولا يعرف القراءة: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُون﴾ (العنكبوت: ٤٨) وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقل مثلما قال قبل بعثته: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ﴾ (يونس: ١٦).
وأكد أن القرآن ليس بقول شاعر لا بقول كاهن، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس مجنونا ﴿وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُون﴾ (التكوير: ٢٢) هذا الافتراءات التي ذكرها أهل مكة في محاربة النبي -صلى الله عليه وسلم- فزعموا أنه شاعر وزعموا أنه ساحر وزعموا أنه كاهن وزعموا أنه مجنون؛ كل ذلك أبطله القرآن، ولكن هذا الخطاب لأهل الإيمان، فلما لم يؤمنوا واستمروا على عنادهم كانت النقطة الثانية هي التحدي.
صورة التحدي التي واجه بها النبي - صلى الله عليه وآلة وصحبه وسلم - هؤلاء المشركين: لماذا؟ لأنهم كما قال الله -سبحانه وتعالى- ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ (الأنعام: ١١١)، ولأنهم بلغوا من الوقاحة والتبجح أن ادّعوا ما لا يستطيعون ﴿لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِين﴾ (الأنفال: ٣١) من هنا كان التحدي، فأعلنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صريحة: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ (الإسراء: ٨٨)؛ ليكون ذلك إعلانًا على عجزهم ونداءً على كذبهم فيما ادعوا، فتمادوا في عنادهم وادعوا أن القرآن كذب وافتراء ﴿أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ (الفرقان: ٥) مع تيقنهم من كذب دعواهم؛ فأنى للأمي صلوات الله وسلامه عليه أن