و"دراهم" في قوله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ (يوسف: ٢٠) و"سجيل" في قوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ﴾ (الفيل: ٣، ٤) وكلمة "سرادق" في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ (الكهف: ٢٩) و"القسطاس": ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ (الإسراء: ٣٥) و"المجوس" في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (الحج: ١٧).
وقد أحصى السيوطي في كتابه (الإتقان) هذه الألفاظَ المعربةَ، وعدَّها، فليس استخدام هذه الألفاظ المعربة بمخرج القرآن عن أن يكون بلسان عربي مبين، فقد ارتضى العرب هذه الألفاظ واستخدموها في لغتهم، وارتضوها بين كلماتهم، وقد نزل القرآن بما ألِفَ العرب استعماله؛ ليدركوا معناه، فليس غريبًا أن يتخذ من تلك الأدوات المعربة أدواتٍ له، يؤدي بها أغراضه ومعانيه، بل هذه الألفاظ في مواضعها هي غاية البلاغة، وهي وقمة البلاغة في إثارها؛ لأنها تؤدي معانيها الدقيقة في عبارة موجزة، فإن العرب لم تضع لفظًا تدل به على معنى ما عربته، فلم تعد ثمة وسيلة للتعبير عنه سوى اختيار اللفظ المعرب، أو الإتيان بأكثر من كلمة لأداء معناها.
مثلًا كلمة "استبرق" إذا احتيج إلى بديل لها فيقال: الديباج الثخين، فلم يستخدم العرب هذا اللفظ في استخدامهم، وآثروا استخدام "استبرق" ولنا الطرف المشهورة في وقتنا الحالي، بأنك إذا أردتَ أن تذهب إلى محل ما وتطلب منه سندوتشًا وتقول له: أعطني شاطرًا ومشطورًا وبينهما طازج، فلك أن تتخيل ما الذي سيفعله معك صاحب هذا المطعم الذي تريد منه أن يعطيك شاطرًا ومشطورًا وبينهما طازج، ولم تقل له: أعطني سندوتشًا، وهذه الكلمة استخدمت استخدامًا سهلًا في كلامنا. وكذلك إذا أردت أن تقول عن الشوكولاتة شوكولات مثلًا، تقول له: أعطني طاموخًا محلًّا، فماذا سيقول لك البائع.
هذه قضية التعريب وقضية المعرب بإيجاز تعرضنا لها.


الصفحة التالية
Icon