وهناك فرق أيضًا بين الإتيان والإعطاء، معنى آتاه: أعطاه، إنما الاستخدام يفرق بين المعنيين، فالإتيان أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله، لذلك قال المولى -سبحانه وتعالى-: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾ (الحجر: ٨٧) ولم يقل: ولقد أعطيناك سبعًا من المثاني، ولذلك لعظم شأن القرآن، أما في الإعطاء فكان قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ (الكوثر: ١) لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته يرِدون على الحوض ورودَ النازل على الماء، ويرتحلون إلى منازل العز والأنهار الجارية في الجنان، والحوض للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته عند عطش الأكباد قبل الوصول إلى المقام الكريم، فقال فيه -سبحانه وتعالى-: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ﴾ لأنه يترك ذلك عن كره، وينتقل إلى ما هو أعظم منه.
وانظر إلى التعبير القرآني في الفرق بين قوله عن أهل الجزية: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾ (التوبة: ٢٩) ولم يقل: حتى يؤتوا الجزية عن يد، وعبر عن الزكاة بقوله تعالى: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ (التوبة: ٧١) ﴿وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ﴾ (الأنبياء: ٧٣) فالزكاة لا بد للمؤمن بأن يكون محبًّا لها، وأن يُقْبِلَ عليها بقوة، أما إعطاء الجزية فهو عن كراهة، وهو عن شيء في نفوسهم من إخراجها، ولذلك حسَم شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- هذه المسألة، ونص عليها نصًّا صريحًا بأنه ليس هناك ترادف في القرآن -أي: في السياق القرآني- ليس هناك ما يسمى بالترادف.
يقول شيخ الإسلام: الترادف في اللغة قليل، وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وقل أن يعبر بلفظ واحد بلفظ واحد يؤدي جميع معناه، بل يكون فيه تقريب لمعناه، وهذا من أسباب إعجاز القرآن، فإذا قال القائل: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ (الطور: ٩) إن المور هو الحركة يعني: تقريبًا، إذ المور حركة خفيفة سريعة، وكذلك إذا


الصفحة التالية
Icon