القرآن ولا في غيره، ولا يُنطق بالحرف إلا في ضمن ما يأتلف من الأسماء والأفعال وحروف المعاني، أما الحروف التي ينطق بها مفردةً مثل: ﴿الم﴾ ونحو ذلك، فهذه في الحقيقة أسماء الحروف، وإنما سميت حروفًا باسم مسماها، كما يسمى "ضرَبَ" فعل ماض باعتبار مسماه.
ويذكر أيضًا ما ذكره الباقلاني من أن هذه الحروف هي أربعة عشرة حرفًا، وهي نصف أجناس الحروف؛ نصف المجهورة، والمهموس، والمستعلية، والمطبقة، والشديدة، والرخوة، وغير ذلك من أجناس الحروف، وهو أشرف النصفين. أي: أن المولى -سبحانه وتعالى- في هذه الفواتح اختار مِن كل صفة من هذه المخارج أشرفَها من الحروف؛ للاستخدام في الفواتح، والنصف الآخر لا يوجد في القرآن إلا في ظل الأسماء أو الأفعال أو حروف المعاني، التي ليست باسم ولا فعل، فلا يجوز أن نعتقد أن حروف المعجم بأسمائه جميعها موجودة في القرآن، لكن نفس حروف المعجم التي هي أبعاض الكلام موجودة في القرآن.
يعني: هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، يبين أن هناك فرقًا بين الحرف وبين مسماه، أما استخدام هذه الحروف الثمانية والعشرين هذا ورد في كتاب الله، بل إن شيخ الإسلام أشار إلى الآيتين اللتين جَمعت كل واحدة منها الحروف الثمانية والعشرين جميعها، وهي آية آل عمران قوله -سبحانه وتعالى-: ﴿ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ (آل عمران: ١٥٤).


الصفحة التالية
Icon