هذا هو فريق يذهب إلى أن اللفظ أعلى من المعنى.
وفريق آخر يذهب إلى العكس، فيقول: المعنى أفضل من اللفظ، ويؤيد هذا الفريق الآمدي الذي يقول عمَّن سماهم أهل النَّصَفة من أصحاب البحتري، يقول: مِن أن اهتمام أبي تمام بمعانيه أكثر باهتمامه بتقويم ألفاظه، على شدة غرامه بالطباق والتجنيس والمماثلة، وأنه إذا لاح له أخرجه بأي لفظ استوى من ضعيف أو قوي. ويعقب الآمدي على هذا بقوله: هذا أعدل ما سمعتُ من القول فيه، وإذا كان هذا هو هكذا فقد سلموا له الشيء الذي هو ضالة الشعراء وطلبتهم، وهو لطيف المعاني، وبهذه الخلة دون سواها فُضِّلَ امرؤ القيس؛ لأن الذي في شعره من دقيق المعاني وبديع الوصف ولطيف التشبيه وبديع الحكمة، فوقَ ما في أشعار سائر الشعراء من الجاهلية والإسلام.
فهذا فريق يرى أن المعاني هي أعلى قدرًا من الألفاظ.
أما الفريق الثالث الذي ناقش قضيةَ اللفظ والمعنى، فذهب إلى أن تلك الثنائية حرف في بحر، أي: لا داع لها بأن يفرق لها بين اللفظ والمعنى، فكلاهما مدار الصورة الأدبية، فهذا الفريق سوَّى بين اللفظ والمعنى في القيمة وفي التقدير، فالصورة الأدبية كالكائن الحي، فكما لا يصح فَصْل الجسم عن الروح، فكذلك لا يصح فصل اللفظ عن المعنى، فكلاهما مكمل للآخر. يقول ابن طباطبا: والكلام الذي لا معنى له كالجسد الذي لا روحَ فيه كما قال بعض الحكماء: للكلام جسد وروح، فجسده النطق وروحه معناه.
فكان ذلك هو الاختلاف بين العلماء في قضية اللفظ والمعنى، والعلاقة بينهما إلى أن جاء عبد القاهر الجرجاني، فوجد -كما يقول الدكتور لاشين- البحوث


الصفحة التالية
Icon