يسوغ ولا يصح على أصول هذا العلم. وإذا ثبت ذلك، فإن سبب فساد النظم واختلاله ألا يعمل بقوانين هذا الشأن، ثبت أن سبب صحته أن يعمل عليها.
بيان نماذج رائعة عددها الجرجاني على مزايا النظم، وكلها في كتاب الله -سبحانه وتعالى-:
من النماذج التي تعرَّض لها الجرجاني ببيان روعة النظم، نضرب مثالًا بالتقديم والتأخير، وآخرَ للتنكير، لأن المسائل الأخرى سنتحدث عنها تفصيلًا، وكل في موضعه.
من مثال التقديم والتأخير عرض بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ﴾ (الأنعام: ١٠٠) فيقول هنا بتقديم المفعول الثاني وتأخير المفعول الأول في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ﴾ على أن: ﴿شُرَكَاءَ﴾ مفعول أول للفعل جَعَلَ، وشبه الجملة هو المفعول الثاني لهذا الفعل. فيبين الجرجاني في هذه الآية الكريمة كيف كان للتقديم والتأخير أثرٌ عظيم، غير أن يقال: وجعلوا الجن شركاءَ لله، فإنه لو قُدِّم: ﴿الْجِنَّ﴾ على المفعول الأول، لربما توهم متوهم أن الإنكار على جعل: ﴿الْجِنَّ﴾ شركاءَ دون غيرهم، فإذا ما كان غيرهم جاز أن يكون هناك شريك -حاشا لله، والعياذ بالله من فهم مثل هذا المعنى- فأفاد التقديمُ والتأخيرُ صرف هذا المعنى كليةً، فإن الإنكار على جعلهم لله شركاء، سواء كان الجن أو غيرهم، فالجن منفصلة عن المفعولين.
ويؤكد أو يؤيد ما ذهب إليه الجرجاني في بيان هذه الآية أنه قرئ في الشواذ "الجنُّ" بالرفع، أي: هم الجن.
هذا مثال ضربه الجرجاني، وعندك في (دلائل الإعجاز) آيات عديدة بين فيها الجرجاني قضية النظم.