السؤال، إلا أن موسى أراد بسط الحديث؛ حبًّا في إطالة الكلام في حضرة الذات العلية، وأي مقام أدعى إلى بسط الكلام فيه كهذا المقام!! ولهذا لم يكتفِ موسى -عليه السلام- بذكر المسند إليه، بل أعقب ذلك بذكر أوصاف لم يُسأل عنها، فقال: ﴿أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى﴾.
وبعض الباحثين نظر في هذا الكلام، وزاد عليه لطيفة أخرى، فقال: نرى أن ثمة دلالة أخرى من وراء ذكر المسند إليه في الآية، ولعلها تكون أهمَّ وأولى بالالتفات إليها؛ لائتلافها مع السياق، فالسياق يدل على سيطرة الرهبة والخوف على موسى -عليه السلام- من مواجهة سحرة فرعون البارعين في فنهم، فأراد الله -عز وجل- أن يطمئنه، وأن ينزع الخوف من قلبه، وأن يثبته على اليقين ببرهان مادي، فسأله سؤالًا مباشرًا عن ماهية ما بيده، فأجاب مؤكدًا طبيعتها: ﴿هِيَ عَصَايَ﴾ ثم أضاف وظائفَ لها من شأنها أن تزيد هذه الطبيعة جلاءً، فلما أمره بإلقائه تحولت في طرفة عين إلى حية تسعى، فكان ذلك أظهرَ دليلٍ على بطلان القانون السائد؛ إذ أحالها إلى مخلوق حي من جنس مختلف كل الاختلاف عن ماهيتها الأولى.
وتلك آية الألوهية ومعجزة النبوة، فليهدأ بالًا، وليثق في تأييد الله له، ووقوفه إلى جانبه، ولذلك حين راعه هذا التحول المذهل في العصا، جاء الخطاب الإلهي: ﴿قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ (طه: ٢١).
هذه الأغراض التي ذكرت في ذكر المسند إليه، وأهمها بيانًا مع ورودها في القرآن، قلنا: زيادة الإيضاح والتقرير، وكذلك بسط الكلام وإطالته، والتعريض بغباوة السامع، وهناك أغراض أخرى ذكرت كقولهم: إظهار تعظيم المخاطب وتفخيمه، أو إظهار التحقير والتهوين من الشأن، أو التبرك والتيمن بذكر المسند إليه، أو التلذذ به، وكذلك التعجب منه، وكذلك التسجيل على السامع بين يدي القاضي؛ حتى لا يكون أمامه سبيل إلى الإنكار.