من الأغراض أيضًا التي ذُكرت في حذف المسند إليه: الإيحاء بالسرعة الفائقة للحدث؛ لصدوره عن صاحب القدرة المطلقة في هذا الوجود، واستدلوا لذلك في قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (هود: ٤٤) فحذف المسند إليهم من قولهم: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ﴾ للإشارة إلى قوة ظهوره، وأن ذلك الفعل الهائل -أعني: مخاطبته للأرض- وتوجيه الأمر إليها، لا يكون إلا مِن الذي خلقها فسواها، وكذلك السماء، وحُذف الفاعل في قوله: روَغِيضَ الْمَاءُ} للإشارة إلى الإجابة السريعة، فما إن أُمرت الأرض بأن تبلع والسماء بأن تقلع، إلا وقد غيض الماء، وكأن قوة هائلة مجهولة اختطفته وابتلعته، فذهب معها في المجهول.
ومن لطيف ما استُدل به في هذا المجال قوله سبحانه: ﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ * وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾ (الأعراف: ١١٨ - ١٢٠) فَحُذف المسند إليه في قوله: ﴿فَغُلِبُوا هُنَالِكَ﴾ لأن الغرض منصب في بيان أن السحرة غُلبوا، وأن سحرهم أبطل على الرغم مما كان لهم من شهرة، وفيه إشارة إلى أن الغالب في الحقيقة ليس هو موسى -عليه السلام- وإنما قوة خفية أيَّدت موسى، وجعلت عصاه حيةً تسعى، ألقاها: ﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ (الأعراف: ١١٧) ولو أنه -سبحانه وتعالى- قال: فغلبهم موسى، لكان نصًّا على غلبة موسى -عليه السلام- وأن له في ذلك فِعلًا غلب به، وليس كذلك، فإن سيدنا موسى أوجس في نفسه خيفةً لما رأى حِبالهم وعصيهم، وخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
هذه هي أبرز الأسباب التي ذكروها لحذف المسند إليه، وغير ذلك أسباب صناعية أو أسباب مصطنعة، سنكملها -إن شاء الله-.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.