التقدير: لا تقولوا لنا آلهة ثلاثة؟ فيكون المحذوف هو المسند، شبه الجملة: لنا. فهنا ذكر المعربون والمفسرون هذه الأوجه في إعراب لفظ: ﴿ثَلَاثَةٌ﴾ إنه مبتدأ محذوف الخبر، أو إنه خبر لمبتدأ محذوف، على أساس أنه صفة لكلمة "آلهة" فلما حُذف الموصوف حل محله، وَصف المحذوف هو في الأصل مبتدأ: لنا آلهة ثلاثة.
فيقول: أما إذا جعلنا التقدير: ولا تقولوا لنا أو في الوجود آلهة ثلاثة، أو ثلاثة آلهة، بحذف المسند، كنا قد نفينا الوجودَ عن الآلهة كما نفيناه في: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (محمد: ١٩) ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ﴾ (ص: ٦٥) ثم يأتي تأكيد وحدانية الله في الآية بعد ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾ (النساء: ١٧١) فإن زعموا أن التقدير: ولا تقولوا آلهتنا ثلاثة، على أن المحذوف هو المسند إليه و ﴿ثَلَاثَةٌ﴾ خبر، كانوا قد نفوا أن تكون عدة الآلهة ثلاثةً، ولم ينفوا وجودَ الآلهة.
هذا ما تنبه له الجرجاني، فرجح بذلك أن يكون الحذف للخبر وليس الحذف للمبتدأ؛ للفرق بين المعنيين.
طبعًا هو عرض في هذه المسألة استطرادًا وردَّ عليه، يقول: فإن قيل: فإنه يلزم على تقديرك أي: لا تقولوا لنا أو في الوجود آلهة ثلاثة، يلزم على هذا التقدير الفساد أيضًا من وجه آخر، وذلك أنه يجوز إذا قلت: ليس لنا أمراء ثلاثة، أن يكون المعنى: ليس لنا أمراء ثلاثة ولكن لنا أميران اثنان، وإذا كان كذلك كان تقديرك وتقديرهم جميعًا خطأ. فيرد على ذلك بقوله: أن الأمر ها هنا يختلف، وهو أن قولهم: آلهتنا أي: آلهتنا ثلاثة، يوجب ثبوت آلهة -جل الله تعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا-.