المحذوف كما في قوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (الأحزاب: ٣٥) أي: والذاكرات لله.
والواقع أن الاختصار علة متحققة في كل مواقع الحذف، لكنه لا يعول عليه وحدَهُ في الأعم الأغلب منها، وإنما تَكمُنُ أغراض أخرى أهمُّ، كذلك فإن رعاية الفاصلة في القرآن الكريم لا ينبغي أن تكون غرضًا مستقلًّا وراءَ حذفِ المفعول أو حذف سواه، صحيح أن تناسق الإيقاع أداة بارزة في مجال النظم القرآني، لكن الاقتصار عليه لا يعدو أن يكون اقتصارًا على علة لفظية، والإعجاز البلاغي للقرآن لا يقف عند حدود اللفظ، وإنما تتآزر فيه الألفاظ والمعاني تآزرًا كاملًا. ولهذا نجد أحيانًا فاصلةً مختلفةً تقطع نَسَقًا موحدًا من فواصلَ متعددة؛ لاقتضاء الدلالة عليه.
وقد علقت الدكتورة عائشة عبد الرحمن -رحمها الله- على هذا الكلام بكلام بديع، تقول فيه: إن البيان الأعلى لا يتعلق في فواصله بمجرد دعاية شكلية للرونق اللفظي، وإنما تأتي الفواصل لمقتضيات معنوية مع نسق الإيقاع بها، وائتلاف الجَرْس بألفاظها التي اقتضته المعاني على نحو تتقاصر دونه بلاغة البلغاء، وفي مقدمة الأمثلة القرآنية التي يُستشهد بها طرح كاف الخطاب من الفعل: ﴿قَلَى﴾ في الآية السابقة، فليس إسقاطها كما تقول: اكتفاء بالكاف الأولى في: ﴿وَدَّعَكَ﴾، ولمشاكلة رءوس الآي كما ذهب الفراء، وليس رعايةً للفاصلة كما ذهب الفخر الرازي وبعضُ المفسرين.
وأيدت رأيها: بأن البيان القرآني عَدَلَ عن رعاية الفاصلة في الآيات بعدها، فقال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ (الضحى: ٩ - ١١) فجاءت الفاصلة الأخيرة بحرف الثاء، وهو ليس