بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس السادس عشر
(التوكيد في النظم القرآني)
تعريف التوكيد، وأغراضه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- وبعد:
نتناول اليوم -إن شاء الله سبحانه وتعالى- صورة من صور النظم القرآني التي بَدَا فيها الإعجاز واضحًا جليًّا لكل ذي عينين يبصر ويفهم كلامَ الله -سبحانه وتعالى- هذه الصورة هي صورة التأكيد أو التوكيد.
فإننا سنتناول ثلاث صور كل منها في درس مستقل تترابط في مسألة النظم وهي: التوكيد، والتكرير، والزيادة.
ونبدأ اليوم بكلامنا عن التوكيد:
والتأكيد لغة في التوكيد، ويقال: أكَّد الشيء ووكده، والواو أفصح؛ لقوله تعالى: ﴿بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ (النحل: ٩١)، ولذا يقولون: وكَّد العقدَ والعهدَ أي: أوثقه، والهمزة فيه لغة، ويقال: أوكدته وأكدته وآكدته إيكادًا، وبالواو أفصح أي: شددته، وتوكد أمرُه، وتأكد بمعنى أي: توكد وتأكد بمعنًى واحدٍ. ويقال: وكدت اليمين، والهمز في العقد أجود، تقول: إذا عقَّدْتَ فأكِّد، وإذا حلفت فوكد. إذن أكد ليست أصلًا؛ لأن الهمزة مبدلة من واو، والتوكيد لا يؤتَى به إلا لحاجة.
ومن هنا كانت للتوكيد دواعيه وأسبابه ومراتبه التي قال بعضهم فيها: إنما يؤتى به للحاجة للتحرز عن ذكر ما لا فائدةَ له، فإن كان المخاطب خالي الذهن ألقي إليه الكلام بدون توكيد، وإن كان مترددًا فيه حسن تقويته بمؤكد، وإن كان منكرًا وجب تأكيده. واستخدم القرآن التوكيدَ وسيلةً لتثبيت المعنى في نفوس قارئيه، وإقراره في أفئدتهم؛ حتى يصبح عقيدةً من عقائدهم، فهذا التأكيد يقرر المعاني التي يريدها المولى -سبحانه وتعالى- في كتابه.


الصفحة التالية
Icon