وتارةً أخرى نجد القرآن الكريم يؤكد مسألة الوعد والوعيد، فيكرر المولى -سبحانه وتعالى- مؤكدًا في كتابه: ﴿إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة: ٤)، ﴿أنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ (التوبة: ٣٦)، في مواضع شتى، وكذا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران: ٣٢)، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة: ٦٧)، وهكذا يكون تكرار هذا المعنى في كتاب الله -سبحانه وتعالى. والغرض الثالث هو هو تأكيد كل خبر هو مجال للشك أو الإنكار، يقول المولى -سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ (البقرة: ١١ - ١٤) أَوَلَا تراهم عندما أنكروا الإفساد في الأرض والسفاهة، أكد المولى -سبحانه وتعالى- اتصافهم بها بـ"ألا" و"إنَّ" وتعريف ركني الإسناد، وذلك يؤذن بتأكيد المعنى الذي أنكروه، والذي يريدون إثبات خلافه. ولما كان إقرارهم للمؤمنين بالإيمان بألسنتهم مبعثًا للشك في نفوس شياطينهم، دفعهم ذلك إلى تأكيدهم لهم الثبات على مبادئهم، وأنهم لا يبغون عنها حِولًا.
وانظر أيضًا في قوله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ * قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ * قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ (يس: ١٣ - ١٦)، ألا ترى المرسلين قد أكدوا رسالتهم بـ"إنَّ" عندما كذبهم أصحاب القرية، فلما لج هؤلاء في التكذيب، زاد المرسلون في تأكيد رسالتهم مؤكدًا جديدًا هو اللام، وأشهدوا ربهم على صدق دعواهم.


الصفحة التالية
Icon