إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} (طه: ٦٨) وفي ذلك تثبيت قلب موسى -عليه السلام- وبعث الطمأنينة إليه: ﴿أَنْتَ الْأَعْلَى﴾.
ومنه أيضًا تأكيد الفعل بمصدره، ويكون ذلك في الأمور التي يتوهم فيها المجاز، فيأتي الفعل لرفع هذا التوهم، تأمَّلْ قوله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾ (النساء: ١٦٤)، فقد يطلق الكلام على الإيحاء وينصرف الذهن إليه، فجاء المصدر؛ لإزالة هذا التوهم. وقوله -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾ (الطور: ٧ - ١٠) أَوَلا ترى أن اضطراب السماء وسير الجبال مما قد تتردد النفس في قبوله، فجِيء بالمصدر؛ تأكيدًا لوقوعه. ومن البديع أن يأتي توكيد المصدر بمصدر آخرَ غير المصدر المؤكِّد للفعل المذكور، فينوب عنه، كما في قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾ (المزمل: ٨) وفي ذلك دلالة على ما للتبتيل من أثر في استجلاب رضوان الله، فأمر به مؤكدًا. ولعل السر في العدول إلى هذا المصدر هو المحافظة على النغمة الموسيقية للآية.
التوكيد اللفظي يندرج تحته أيضًا: ما يسمى بالتكرار، فقد يكرر القرآن الجملة المؤكدة عدة مرات بألفاظها نفسها، عِلمًا منه بما لذلك من أثر في النفس، فتراه -سبحانه وتعالى- مثلًا في سورة الشعراء يكرر الجملتين الآتيتين خمس مرات من غير أن يغير من ألفاظهما حرفًا، فقال سبحانه على لسان بعض رسله: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ (الشعراء: ١٠٧، ١٠٨)، وهي وإن كانت مقولة على ألسنة عدة رسل توحي لتكرارها بعبارة واحدة بصدق هؤلاء الرسل، وتثبيت التصديق بهم.


الصفحة التالية
Icon