بما قبلها. يقول عبد القاهر: "هل شيء أبينُ في الفائدة وأدلُّ على أن ليس سواء دخولها وألا تدخل، مِن أنك ترى الجملة إذا هي دخلت ترتبط بما قبلها، وتأتلف معه، وتتحدُ به، حتى كأن الكلامَيْن قد أفرغَا إفراغًا واحدًا، وكأنَّ أحدَهم قد سُبك في الآخر. هذه هي الصورة حتى إذا جئتَ إلى إنَّ فأسقطتها، رأيت الثاني مبهمًا قد نَبَا عن الأول، وتجافَى معناه عن معناه، ورأيتَه لا يتصل به ولا يكون منه بسبيل، حتى تجيء بالفاء، ثم لا ترى الفاء تعيد الجملتين إلى ما كانتَا عليه من الأُلفة. وترد عليك الذي كنتَ تجد بإنَّ من المعنى".
يوضح عبد القاهر الفرقَ بين استخدام إنَّ بدلًا من فإنَّ، مع أن سياق الكلام يستدعي جلب الفاء، فهي تربط إنَّ محل الفاء في الكلام، وتؤدي معنًى أزيدَ من التوكيد، وهو الربط بين الجملتين. وأمثلة ذلك كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ (الحج: ١)، فهذه الزلزلة سبب في الأمر بالتقوى، فسياق: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ فزلزلة الساعة شيء عظيم، فعدل عن استخدام الفاء إلى إنَّ، وأفادت معنى التوكيد والربط بين الجملتين. وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ (لقمان: ١٧) ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ (التوبة: ١٠٣) ومن أبين ذلك قوله تعالى: ﴿وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ (هود: ٣٧) وقد يتكرر في الآية الواحدة كقوله -سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (يوسف: ٥٣)، ﴿إِنَّ رَبِّي﴾ وهي على الجملة من الكثرة بحيث لا يدركها الإحصاء. فأمثلتها عديدة في كتاب الله -سبحانه وتعالى.