هذه مسألة جميلة أشار إليها الجرجاني في استخدام ضمير الأمر، أو ما يسمى بضمير الشأن، وهو الذي تستطيع أن تحل محله كلمة الشأن أو الأمر، مثال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص: ١)، أي: قُل الشأنُ أو الأمرُ اللهُ أحد. يذكر الجرجاني المواضع التي تأتي إنَّ مؤكدةً لضمير الشأن، أن يكون اسمها هو ضمير الشأن، كقوله -سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (يوسف: ٩٠)، ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ (التوبة: ٦٣)، ﴿أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ﴾ (الأنعام: ٥٤)، ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ (المؤمنون: ١١٧)، ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ﴾ (الحج: ٤٦).
فإذا رأيت اسم إنَّ في هذه المواضع تجده هو ضمير الشأن أو الأمر، أي: إن الشأن لا تَعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، إن الشأن: ﴿لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾، إن الشأن من يعمل منكم سوءًا بجهالة ثم يتوب فإن الله يتوب عليه إلى غير ذلك من المواضع التي ذكرت في كتاب الله. فإن قلت: هنا يعترض الجرجاني ويبين معنًى لطيفًا، يقول: "فإن قلت: أَوَليس قد جاء ضمير الأمر مبتدأ به معرًّى من العوامل في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾؟ قيل: ﴿هُوَ﴾ وإن جاء هنا فإنه لا يكاد يوجد مع الجملة مع الشرط والجزاء، بل تراه لا يجيء إلا بإنَّ، على أنهم قد أجازوا في: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أن لا يكون الضمير للأمر". هذه المسألة من الجرجاني -رحمه الله- ليؤكد المعنى بأن استخدام ضمير الشأن يحسن مع إنَّ، وهذا لا ينفي منه -رحمه الله- أن: ﴿هُوَ﴾ في هذه الآية ضمير الشأن، وإن كان البعض ذهب إلى أنها ليست ضمير الشأن.


الصفحة التالية
Icon