﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ (البقرة: ١٤) فهم يدَّعون لشياطينهم أن استهزاءَهم بالمؤمنين من الأمور التي لا مجالَ للريب فيها، ولا تكون مبعثًا لسوء ظن شياطينهم فيهم.
قد تستخدم إنما في موضع هو مجال للشك أو الإنكار كما قال -سبحانه وتعالى: ﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾ (الشعراء: ١٥٣) فهم يخاطبون الرسول الذي ينكر، ولا ريب هذا الحكم، ولكنهم أتوا بتلك الصيغة كأنهم يدّعون وضوح أنه مسحور، لا ينطق عن عقل واع مفكر. يقول الجرجاني: "ثم اعلم أنك إذا استقريتَ وجدتها أقوى ما تكون، وأعلق ما ترى بالقلب إذا كان لا يُراد بالكلام بعدها نفس معناه، ولكن التعريض بأمر هو مقتضاه، نحو أنَّا نعلم أن ليس الغرض من قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر: ٩) أن يعلم السامعون ظاهر معناه، ولكن أن يذم الكفار، أن يقال: إنهم من فرط العناد ومن غلبة الهوى عليهم في حكم مَن ليس بذي عقل، وإنكم إذا طمعتم منهم في أن ينظروا ويتذكَّروا، كنتم كمن طمع في ذلك من غير أولي الألباب. كذلك قوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ (النازعات: ٤٥)، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ (فاطر: ١٨) المعنى على أن من لم تكن له هذه الخشية فهو كأنه ليس له أذن تسمع، وقلب يعقل، فالإنذار معه كَلَا إنذار.
ويغلب على إنما في القرآن أن تكون بمثابة الجواب عن سؤال يقتضيه السياق قبلها صريحًا أو ضمنًا، فيكثر في الصريح سَبْقها بمادة القول كما في قوله -سبحانه وتعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (الأعراف: ١٨٧) هذا مثال للسؤال الصريح.


الصفحة التالية
Icon