جيء باللام ها هنا؛ لزيادة التوكيد في إظهار المحبة ليوسف -عليه السلام- والإشفاق عليه؛ ليبلغوا الغرض من أبيهم في السماحة لإرساله معهم.
وانظر أيضًا من لطيف استخدامها في سورة الواقعة: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ (الواقعة: ٦٤ - ٦٥) ثم قال -سبحانه وتعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ (الواقعة: ٦٨ - ٧٠) فأكَّد في الأولى: ﴿لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ وترك التوكيد في الثانية: ﴿جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا﴾ وإنما جاءت كذلك؛ لأن جعل الماء العذب مالحًا أسهل إمكانًا في العرف والعادة، والموجود من الملح أكثرُ من الماء العذب، وكثيرًا ما إذا جرت المياه العذبة على الأراضي المتغيرة التربة أحالتها إلى الملوحة، فلم يحتج في جعل الماء العذب ملحًا إلى زيادةِ تأكيدٍ، فلذلك لم تدخل عليه لام التأكيد المفيدة زيادة التحقيق. أما المطعوم فإن جَعْلَه حطامًا من الأشياء الخارجة عن المعتادٍ، وإذا وقع فلا يكون إلا عن سخط من الله شديد، فلذلك قُرن بلام التأكيد؛ زيادةً في تحقيق أمره، وتقريرِ إيجاده. وانظر إلى قوله سبحانه: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ﴾ (الحجر: ٢٣) فاللام في ﴿لَنَحْنُ﴾ تؤكد هذا المعنى الذي يعلم من أن الله -سبحانه وتعالى- له الإحياءُ والإماتةُ.