المعاني، فإذا زيدت في الألفاظ وجب زيادة المعاني ضرورة ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ (القمر: ٤٢)، فهو أبلغ من قادر لدلالته على أنه قادر متمكن القدرة لا يرد شيء عن اقتضاء قدرته ويسمى هذا قوة اللفظ لقوة المعنى، وكقوله تعالى: ﴿وَاصْطَبِرْ﴾ (مريم: ٦٥)، فإنه أبلغ من الأمر بالصبر من اصبر ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ (الطور: ٤٨)، ﴿فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ﴾ (القمر: ٢٧)، فهناك فرق بين اصطبر وبين اصبر، وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: ٢٨٦)، لأنه لما كانت السيئة ثقيلة، وفيها تكلف زيد في لفظ فعلها وقوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾ (فاطر: ٣٧)، فإنه أبلغ من يتصارخون".
إذًا العلماء يبحثون عن سر هذه الزيادة، واستخدامها في القرآن، ويتعدون مرحلة ما يذكره الصرفيون في أنه مجرد أو مزيد أو على صيغة من الصيغ المعينة، ومن الإشارات اللطيفة أيضًا مسألة التشديد يعني الزيادة بالتشديد أبلغ من عدم التشديد، فإن ستارًا وغفارًا أبلغ من ساتر وغافر؛ ولهذا قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ (نوح: ١٠)، ومن هذا رجح بعضهم معنى الرحمن على معنى الرحيم لما فيه من زيادة البناء، وهو الألف والنون في كلمة الرحمن. وبعضهم ذكر لطيفة حول قول الله سبحانه وتعالى في وصف الإنسان: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ (الإنسان: ٣)، فعبر المولى سبحانه وتعالى بصيغة اسم الفاعل في شاكر وبصيغة المبالغة في كفور؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يبالغ في الشكر، ولكن عادته أن يبالغ في الكفر عياذًا بالله.


الصفحة التالية
Icon