اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (البقرة: ٧٩) فتأمل قوله: ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾ يصور بها جريمة الافتراء ويرسم بها مقدار اجترائهم على الله، ويؤكد ارتكابهم الجريمة بأنفسهم، وإن شئت فأسقطت تلك الكلمة وانظر إلى فراغ تتركه إذا سقطت".
هو يشير -رحمه الله- إلى أنه ربما يتساءل متسائل: بأي شيء يكتبون الكتاب، الكتابة لا تكون إلا بالأيدي فربما يظن متوهم أن ذكر الأيدي هنا زيادة نستطيع الاستغناء عنه فبين الشيخ -رحمه الله- أن ذكر الأيدي هنا بيَّن معانٍ لا نستطيع أن نتوصل إليها بدون ذكر الأيدي، كذلك في قوله تعالى: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ (النحل: ٢٦)، معروف أن السقف لا يخر من تحتهم، فلا يكون إلا من فوق، وهي من اللطائف التي أشار إليها البعض في الآية وعندما قال أحدهم: فخر عليهم السقف من تحتهم عوتب ووجهوا إليه نقدًا لاذعًا؛ لأنه لا يفقه ما يقرأ أو ما يقال. وكذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ (النور: ١٥)، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ (الأحزاب: ٤)، فأفواهكم تدل في الآية الأولى على أن الحديث الذي يجري على ألسنتهم حديث لم يشترك فيه العقل، ولم يصدر عنه فلذلك كان التعبير: تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم، أما في الآية الثانية تدل على أن نطق اللساني لا يغير من الحقيقة شيئًا ﴿ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ فهو لا يتعدى اللسان إلى ما في الأفئدة من حقائق.
وأشار إلى قوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ﴾ (الأحزاب: ٤)، ففي ذكر الجوف تأكيد لإنكاره وجود قلبين لرجل، فإذا تصور القارئ جوفًا بادر بإنكار أن يكون فيه قلبان وكذلك ذكر كلمة واحدة في قوله تعالى: ﴿نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ (الحاقة: ١٣)، ﴿فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ (الحاقة: ١٤)، فهو يوحي بقصر النفخة وسرعة الدكة، وفي ذلك من إثارة الرعب وتصوير شدة الهول ما