بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس العشرون
(الفصل والوصل)
معنى الفصل والوصل عند النحاة والبلاغيين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فنتناول وجه من وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن وهو استخدام الفصل والوصل، وابتداءً نودُّ أن نُبينَ أنّ هذا الباب من أبواب البلاغة، والإعجاز في القرآن، باب عظيم لا يتنبه له إلا أولو الفطنة من أصحاب البلاغة، ولذا نبه العُلماء على أهميته، وأهمية معرفته وفهمه؛ لأنّ ذلك يبين رَوعة القرآن في استخدام هذين الفنين من فنون البلاغة.
يقول الجرجاني مبينًا أهمية هذا الفن، يقول: "اعلم أنّ العلم بما ينبغي أن يصنع في الجمل؛ من عطف بعضها على بعض، أو ترك العطف فيها، والمجيء بها منثورة؛ تُستأنف واحدة منها بعد أخرى من أسرار البلاغة، وَمِمّا لا يتأتى لتمام الصواب فيه إلا الأعراب الخُلّص، وإلّا قوم طبعوا على البلاغة، وأوتوا فنًّا من المعرفة في ذوق الكلام، هم بها أفراد -أي: منفردون عن غيرهم- وقد بلغ من قوة الأمر في ذلك أنهم جعلوه حدًّا للبلاغة؛ فقد جاء عن بعضهم: أنه سُئل عنها فقال: معرفة الفصل من الوصل، ذاك لغموضه ودقة مسلكه، وأنه لا يكمل لإحراز الفضيلة فيه أحد إلا كمل لسائر معاني البلاغة". ويقول أيضًا الجرجاني في هذا المجال: "واعلم أنّ ما من علم من علوم البلاغة أنت تقول فيه: إنه خفي غامض ودقيق صعب، إلا وعلم هذا الباب أغمض وأخفى وأدق وأصعب، وقد قنع الناس فيه بأن يقولوا إذا رأوا جملة قد ترك فيها العطف: إنّ الكَلامَ قد استُؤنف وقطع عما قبله، لا تطلب أنفسهم منه زيادة على ذلك، ولقد غفلوا غفلة شديدة".


الصفحة التالية
Icon