بالواو فلا يصح أن يقال: وكلوا اشربوا لا تسرفوا، فتعين العطف بالواو لوجود الاتفاق في الجملتين لفظًا ومعنى. والصورة الثالثة: اتفاق الجملتين في الخبرية أو الإنشائية في المعنى فقط، وإن اختلفتا في اللفظ.
يعني الصور الثلاث تقسيمة منطقية -كما يقال- الأولى: الاتفاق في الخبر، لفظًا ومعنى، الثانية: الاتفاق في الإنشاء لفظًا ومعنى، الثانية: الاختلاف أحدهما إنشائية لفظًا خبرية معنى، تأمل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (البقرة: ٨٣)، فجملة: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ عطفت على جملة ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾ وجملة: ﴿لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾ خبرية لفظًا إنشائية معنى؛ فالمعنى فيها على حكاية النهي.
أما جملة: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ فهي إنشائية لفظًا ومعنى إذ التقدير: "وأحسنوا بالوالدين إحسانًا". فهي بصيغة الأمر تكون إنشائية لفظًا ومعنى، وعكس ذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ (الشرح: ١ - ٤)، فجملة: ﴿وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ خبرية لفظًا ومعنى، وعُطفت على جملة: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ وهي خبرية معنى، إنشائية لفظًا؛ لأنّ ظَاهِرها أنها على الاستفهام، والاستفهام ضرب من ضروب الإنشاء؛ أمّا حَقِيقَتُها فهي على الإخبار؛ فإن الله سبحانه وتعالى يُعدد على رسوله الكريم النعم التي أولاه إياها من شرح الصدر، ووضع الوزر ورفع الذكر؛ فالمعنى: شرحنا لك صدرك، وبذلك اتفقت مع الثانية فصح العطف بينهما لوجود الجامع ولا مانع من العطف.


الصفحة التالية
Icon