والموضع الثاني: أن تكون الجملة الثانية بدلًا من الأولى، والبدل -كما تعرف- أنواع؛ فهناك بدل كل من كل، وبدل بعض من كل، وبدل اشتمال، فمثال بدلِ الكُلّ قوله تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ (المؤمنون: ٨١، ٨٢)، فجملة ﴿قَالُوا﴾ الثانية بدل مطابق، أو بدل كل من كل من الجملة الأولى؛ لأنّ الثانية شارحة وموضحة، وأوفى بتأدية المعنى من الأولى؛ فالثانية واقعة موقع بدل الكل منها، ولذا ترك العطف لقوة الربط بين الجملتين. ومثال بدل البعض قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ﴾ (الشعراء: ١٣٢، ١٣٣)، فصلت الجملة الثانية عن الأولى؛ لأن الثانية بمثابة بدل البعض، لأن ما يعلمونه يشمل ما في الجملة الثانية من النعم الأربع، وغيرها من سائر النعم، ومن ثم لم يعطف بين الجملتين بالواو، لقوة الربط بينهما.
وكذا قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ (الرعد: ٢)، فجملة ﴿يُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ بمنزلة بدل البعض من قوله تعالى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾. ومثال بدل الاشتمال قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْم اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ (يس: ٢٠، ٢١)، فـ ﴿اتَّبِعُوا﴾ الثانية بمنزلة بدل الاشتمال من ﴿اتَّبِعُوا﴾ الأولى لأن المراد من الأولى حمل المخاطبين على اتباع الرسل، والجملة الثانية أوفى بهذا؛ لأن معناها: لا تخسرون شيئًا من دنياكم، وتربحون صحة دينكم؛ فيكون لكم جزاء الدنيا والآخرة. والموضع الثالث من مواضع كمال الاتصال: أن تكون الجملة الثانية بيانًا للأولى وإيضاحًا لها؛ أي: عطف بيان يبين الجملة السابقة، ومثاله قوله تعالى: