معطوفة على التي لا يصح العطف عليها، وهذا الموضع فيه كلام، واستدل له البلاغيون بشواهد من الشعر، وبينوا أن هذه الشواهد يُمكن أن تحمل على شبه كمال الاتصال فتدخل فيه؛ فلذا رأى العلامة أبو موسى أن هذا الوجه الرابع من أوجه التكلف، ولكننا نوضح البيت الذي استشهدوا به جريًا على ما صنفوا في تصانيفهم في هذا الباب وهو قول الشاعر من بحر الكامل:
وتَظُنّ سَلْمَى أنّني أبْغِي بها
بدلًا أُرَاها في الضلال تهيمُ
فجملة "أراها في الضلال تهيم" لم توصل بالواو، وفصلت مع وجود الجهة الجامعة بين الجملتين؛ وذلك لئلا يتوهم السامع أنها معطوفة على جملة "أبغي بها بدلًا" لقربها منها؛ فتكون حينئذٍ من مضمونات سلمى، ويصير المعنى: "أن سلمى تظن أنني أبغي بها بدلًا، وتظن أنني أظنها تهيم في الضلال" وليس هذا مراد الشاعر وإنما مراده: أن سلمى مخطئة في زعمها أنني أبغي بها بدلًا. والموضع الخامس وهو: التوسط بين الكمالين مع قيام المانع من الوصل، وهو: أن تكون الجملتان متفقتين خبرًا أو إنشاءً، وبينهما رابطة قوية، لكن يمنع من العطف مانع، وذلك بأن يكون للجملة الأولى حكم، لم يقصد إعطاؤه للثانية.
ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ (البقرة: ١٤، ١٥)، ففصلت جملة ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ عن جملة ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ مع التناسب ووجود الجامع بينهما المصحح للعطف، لوجود المانع وهو أنه لم يقصد تشريك جملة ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ لجملة ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ في الحكم الإعرابي، وهو أنها مقول القول؛ فيقتضي ذلك