وخامسًا: أن هذه القواعد لم تراعِ المعنى العام، ولا السياق الجامع المتجانس الذي اقتضى فصلًا هنا ووصلًا هناك، وانكمشت في أمثلة تعليمية وشواهد محدودة غاضة الطرف عن رحاب القرآن الفسيحة، وهذا كلام نقر فيه ما ذكره الدكتور منير سلطان موجزًا أوجه القصور في دراسة مبحث الفصل والوصل، ولعل ذلك مدعاة للدارسين والباحثين أن يولوا هذا المبحث اهتمامًا بالرجوع إلى القرآن الكريم، والانطلاق مما قدم من جهود أمثال جهود الشيخ عضيمة -رحمه الله- في حصر الأساليب ودراسة هذه الأساليب بصورة بلاغية نقدية، مرجعها أهل التفسير والذوق في تلقي وبيان كلام الله -سبحانه وتعالى- على أسس لغوية معتبرة.
محسنات الوصل: الوصل بين الجملتين يقتضي أن يكون الجملة الثانية لها تعلق، وترابط بالجملة الأولى، فإن من شأن التناسب أن يزيد الوصل حسنًا، ويضفي عليه جمالًا وبهاءً، ومن التناسب أن تتفق الجملتان في الاسمية أو الفعلية والاسميتان في نوع المسند إليه والمسند فيهما، والفعليتان في نوع الفعل فيهما. فمن التناسب في الاسمية قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ﴾ (الانفطار: ١٣، ١٤)، فالجملتان مع اتفاقهما في الاسمية نجد تناسبا واضحًا بين المسند إليه فيهما، فالأبرار ضد الفجار، وكذلك المسند فيهما، فالكون في النعيم ضد الكون في الجحيم، وقد يكون بين الجملتين تناسب في المضي كقوله تعالى: ﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (التوبة: ٨١)، فالمسند إليه في الجملتين واحد، والمناسبة ظاهرة بين الفرح والكراهية في المسند، ولك أن تشعر بجمال الوصل في قوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ


الصفحة التالية
Icon