ومن مجيء الجملة الاسمية بعد المفرد قوله سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوص﴾ (الصف: ٤) فصفًّا حال أولى مفردة و ﴿كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوص﴾ حال ثانية جملة، ولم تقترن بالواو كذلك ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة﴾ (الحاقة: ٧) على أساس أن الرؤية من البصر، فتكون صرعى حال أما إذا كانت الرؤية منامية، أو ظنية فتكون صرعى مفعولًا ثانيًا لـ"ترى".
الشاهدُ: أن الترتيب -كما ذكر- يكون على أساس واحد، هذا الأساس هو الأولى في التصدير في السياق، وليس نوع الحال.
ونختم كلامنا مع الجرجاني من أنه نصّ على أن الاقتران بالواو، عدم الاقتران به لا يكون إلا لغرض إعجازي أو لغرض بلاغي، فقال رحمه الله: "فاعلم أن كل جملة وقعت حالًا ثم امتنعت من الواو؛ فذاك لأجل أنك عَمَدت إلى الفعل الواقع في صدرها، فضممته إلى الفعل الأول في إثبات واحد، وكل جملة جاءت حالًا ثم اقتضت الواو؛ فذاك لأنك مستأنف بها خبرًا، وغير قاصد إلى أن تضمها إلى الفعل الأول في الإثبات".
وبدأ -رحمه الله- يشرح ذلك مبينًا بالأمثلة عندما تقول: "جاءني زيد يسرع" كان قولك بمنزلة "جاءني زيد مسرعًا" في أنك تثبت مجيئًا فيه إسراع، وتَصِلُ أحد المعنيين بالآخر، وتجعل الكلام خبرًا واحدًا؛ كأنك تريد أن تقول: "جاءني بهذه الهيئة".
أما إذا قلت: "جاءني وغلامه يسعى بين يديه" أو "رأيتُ زيدًا وسيفه على كتفه" كان المعنى على أنك بدأت، فأثبت المجيء والرؤية، ثم استأنفت خبرًا وابتدأت إثباتًا ثانيًا لسعي الغلام بين يديه، ولكون السيف على كتفه، ولما كان المعنى على


الصفحة التالية
Icon