وانظر أيضا لقوله تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيق﴾ (الحج: ٣١) فقال سبحانه وتعالى أولًا: ﴿خَرَّ مِنَ السَّمَاء﴾ بلفظ الماضي، ثم عطف عليه بالمستقبل الذي هو: ﴿فَتَخْطَفُهُ﴾ و ﴿تَهْوِي﴾ وعدل في ذلك إلى المستقبل لاستحضار صورة خطف الطير إياه، وهوي الريح به والفائدة في ذلك هو: استحضار الصورة عند قراءة الآية الكريمة. فلم يقل سبحانه وتعالى: "خر فخطفته فهوت" وإنما: ﴿فَتَخْطَفُهُ﴾ ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ﴾.
كذلك في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ "كفروا، وصدوا" لا ﴿كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ﴾ لماذا؟ لأن كفرهم كان ووجد، ولم يستجدوا بعده كفرًا ثانيًا أما الصد؛ فهو متجدد على الأيام لم يمض كونه، وإنما هو مستمر يستأنف في كل حين.
ومقابل ذلك الإخبار بالفعل الماضي عن المستقبل؛ فهو عكس ما تقدم وله فائدة: أنّ الفعل الماضي إذا أُخبر به عن الفعل المُستقبل الذي لم يوجد بعد كان ذلك أبلغ وأوكد في تحقيق الفعل وإيجاده؛ لأنّ الفعل الماضي يعطي من المعنى أنه قد كان ووجد، وإنما يفعل ذلك إذا كان الفعل المستقبل من الأشياء العظيمة التي يستعظم وجودها.
انظر إلى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ﴾ (النمل: ٨٧) فإنما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَفَزِعَ﴾ بلفظ الماضي بعد قوله: ﴿يُنفَخُ﴾ وهو بلفظ المستقبل للإشعار بتحقيق الفزع، وأنه كائن لا محالة؛ لأن الفعل الماضي يدل على وجود الفعل وكونه مقطوعًا به.