في هذه المسألة أيضا المعنى سبق أن ذكره الباقلاني في (إعجازه القرآن) وهو أن القرآن جاء على نظم ليس على صورة ما تحدث به العرب وما ألفه العرب في كلامهم.
فنرجع لقضية النظم بإعطاء نموذج يوضح هذه المسألة، لماذا يا بني؟ لأنك تعرف أن الغرض من مادتك هذه أن تتذوق القرآن الكريم، وهذا هدف أسمى من أهداف تدريس المادة؛ أن تنظر في كتاب الله وترى ما فيه من إعجاز، هذا يساعدك على تذوق كلام ربك -سبحانه وتعالى- وعلى التقرب منه -عز وجل.
هذا النموذج التطبيقي نراه في أية من آيات الله، هذه الآية لها قصة وشأن عند أهل البلاغة؛ يعني يروى أن بعض من حاول من الملاحدة معارضة القرآن واجتهد في أن يكتب مثل القرآن وأخفى ذلك وجعله سرّا حتى لا يفتضح أمره ويعرف أنه زنديق فيقتل أو يؤذى بهذا، فكتم الأمر وحاول أن يعارض القرآن إلى أن جاء إلى هذه الآية الكريمة في سورة هود فانصدع، كما يقال: إنه لم يستطع أن يقاوم فسلّم واعترف أنه لا يستطيع أن يعارض القرآن، ورواية أخرى: أنه أصيب بانفجار مرارته ومات كمدًا؛ لأنه لا يستطيع أن يكتب مثل هذا النظم ومثل هذا القول الكريم، هذه الآية هي قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (هود: ٤٤).
فإنك إذا أخذت كل كلمة على حدتها من غير نظر إلى ما قامت به من أداء حظها المقسوم لها في معنى الجملة كلها- فقد لا تجد لها من التأثير ما تجده لها وهي بين أخواتها تؤدي معناها، وهنا يحق لنا أن نسأل عن فضل الكلمة في موضعها، ونتبين جمال اختيارها، وندرك ما لها من الميزة على صاحبتها، وإذا سلكنا هذا