اتفقوا على أنها من السور الأولى التي نزلت في القرآن الكريم على النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- فلا شك أن الرجل حكم هذا الحكم وتأثر هذا التأثير عند سماعه سِور من السور التي نزلت في بداية الوحي قبل التفصيل في مسائل التشريع وقبل بيان مسائل الحقائق الكونية ومسائل الغيبيات، فكانت عبارات وجيزة وآيات قصيرة، أُنزلت على النبي -صلى الله عليه آله وصحبه وسلم- فمن هنا جاء كلامنا عن هذه المسألة، لا شك أن القرآن سحرهم، هذا اللفظ تجاوزًا على اعتبار كلامهم ﴿إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر﴾ (المدَّثر: ٢٤) واسترعى انتباههم لما فيه من عبارات، وبما فيه من ميزة عن كلامهم ليست بالطبع هي الحقائق الكونية أو الحقائق التشريعية أو النبوءات الغيبية. فلا بد لنا أن نبحث عن منبع آخر لجمال النص القرآني.
من هنا بدأ الأستاذ سيد قطب في كلامه عن قضية التصوير الفني أن هذا التصوير الذي نجده في آيات القرآن جملة وتفصيلًا في قصار السور وفي طوالها وفي الآيات، ربما تقتصر آية على صورة عظيمة من صور التصوير. وبين ذلك أيضًا في حديثه عن جهود السابقين فأشار إلى أن الزمخشري كان ينتبه إلى هذه المسألة، ولكنه لم يتحدث فيها تفصيلًا، وإلى أن عبد القاهر -رحمه الله- في (دلائل الإعجاز) نبه أيضًا عل هذه المسألة، ولكنه لم يفصلها تفصيلًا واضحًا، فتبنى -رحمه الله- تفصيل هذه القضية في (بيان التصوير الفني في القرآن الكريم)، فقال: التصوير هو الأداة المفضّلة في أسلوب القرآن، فهو يعبّر بالصورة المحسّة المتخيلة عن المعنى الذهني وعن الحالة النفسية وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة.


الصفحة التالية
Icon