إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْل يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} (الأحزاب: ٩ - ١٣).
سبحان الله!! انظر لهذه الحركة النفسية والحسية من حركات الهزيمة، وكيف أبرزها القرآن الكريم في رسم صورة أهل الإيمان عندما اشتد بهم الكرب وأحاط بهم أهل الكفر وما كان من شأنهم بهذا الوصف الرائع الذي وصفه المولى -سبحانه وتعالى-: ﴿زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾، وهذا الابتلاء الشديد الذي تعرضوا له وما كان من شأن المنافقين الذين قالوا عند هذا الوضع: ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾، وما كان من شأنهم مع أهل المدينة عندما قالوا لهم لا بقاء لكم هنا ارجعوا إلى بيوتكم فهي في خطر، وهؤلاء هم جماعة من ضعاف القلوب يقولون: إن بيوتنا مكشوفة وليست في حقيقتها مكشوفة، ﴿إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا﴾.
فصور الله -سبحانه وتعالى- أحوال جميع الطوائف التي كانت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-: أهل الإيمان الذين زُلزلوا زلزالًا شديدًا وأهل النفاق الذين كذبوا وعد الله -سبحانه وتعالى- وأضعفوا إخوانهم، وأهل الإيمان الضعيف الذين أرادوا أن يفروا ويتحججون بأن بيوتهم مكشوفة، وهكذا لا تفلت في الموقف حركة ولا سمة إلا وهي مسجلة ظاهرة كأنها شاخصة حاضرة، هذا من روائع تصوير القرآن الكريم لحادث وقع، كذلك الناظر في قصص القرآن.


الصفحة التالية
Icon