أما القرآن الكريم فجاء بصورة لم يعهدها العرب في كلامهم، لما قرئ عليهم القرآن رأوا حروفه في كلماته، وكلماته في جمله، رأوا ألحانًا لغوية رائعة، كأنها لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة، قراءتها هي توقيعه، فلم يفتهم هذا المعنى، ولذا كانت الصدمة الأولى للنفس العربية إنما هي أوزان الكلمات وأجراس الحروف دون ما عداها.
نريد أن نستدل على هذه المسألة: أن القرآن جاءهم بقراءة وبطريقة لأداء الحروف ونطقها تختلف عما كانوا يعرفوه.
هناك أدلة ذُكر منها هذا الدليل الأول: أنك إذا أنشأت ترتل قطعة من نثر الفصحاء أو غيرهم على طريقة تلاوة القرآن الكريم، وتراعي فيها أحكام القراءة وطرق الأداء- فإنك لا بد ظاهر بنفسك على النقص في كلام البلغاء وانحطاطه في ذلك عن مرتبة القرآن، جرّب أيها الابن الحبيب أن تقرأ نصًا من النصوص غير النص القرآني بطريقة تلاوة القرآن تجد بونًا شاسعًا أو تجد أن هذه الطريقة المميزة بهذا الأداء وهذه الأحكام كأنها فُصلت تفصيلًا على كتاب الله -عز وجل، ولا تستطيع أن تقرأ بها غيرها من النصوص، لما في هذا النص القرآني مما يُسمى بجمال التوقيع، وسنقرأ نصًّا إن شاء الله يبين معنى هذه العبارة الجميلة التي ذكرها الدكتور "دراز" - رحمه الله.
فنقول: حسبك في إعجاز النظم الموسيقي في القرآن وأنه مما لا يتعلق به أحد ولا يُتفق على ذلك الوجه الذي هو فيه إلا فيه -في القرآن- لترتيب حروفه باعتبار من أصواتها ومخارجها ومناسبة بعض ذلك لبعضه مناسبة طبيعية في الهمس والجهر والشدة والرخاوة والتفخيم والترقيق والتفشي والتكرير، وغير


الصفحة التالية
Icon