وكتاب (الإحياء في علوم الدين) ينقل فيه عن بعض العلماء أن القرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم ومائتي علم، إذ كل كلمة علم، ثم يتضاعف ذلك أربعة أضعاف، إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومطلع. ثم يروي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: "من أراد علم الأولين والآخرين فليتدبر القرآن"، ثم يقول بعد ذلك كله: "وبالجملة فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله -عز وجل- وصفاته. وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها وفي القرآن إشارة إلى مجامعها، ثم يزيد على ذلك فيقول: بل كل ما أشكل فهمه على النظار، واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات في القرآن، إليه رمز ودلالات عليه. يختص أهل الفهم بدركها"، ثم لو تصفحنا كتاب الغزالي (جواهر القرآن)، الذي ألفه بعد (إحياء علوم الدين)، فنجده يزيد هذا الذي قرره في الإحياء بيانًا وتفصيلًا، فيعقد الفصل الرابع منه لكيفية انشعاب العلوم الدينية كلها، وما يتصل بها من القرآن عن تقسيمات وتفصيلات تولاها.
ونكتفي بأن نقول: إن الغزالي قسم علوم القرآن إلى قسمين: الأول: علم القشر يعني السطحيات، وجعل من مشتملاته علم اللغة وعلم النحو وعلم القراءات وعلم مخارج الحروف وعلم التفسير الظاهر. والقسم الثاني: علم اللباب وجعل من مشتملاته علم قصص الأولين، وعلم الكلام وعلم الفقه وعلم أصول الفقه والعلم بالله واليوم الآخر والعلم بالصراط المستقيم وطريق السنة، ثم بعد ذلك يعقد الفصل الخامس من كتابه (جواهر القرآن) لكيفية انشعاب سائر العلوم من القرآن الكريم. فيذكر علم الطب والنجوم، وهيئة العالم، وهيئة أجسام الحيوان وتشريح أعضائه، وعلم السحر وغير ذلك، ثم يقول: "ووراء ما عددته علوم أخرى يعلم تراجمها ولا يخلو العالم عمن يعرفها. ثم بعد ذلك يقول: ولا حاجة لي إلى ذكرها بل أقول: ظهر لنا بالبصيرة الواضحة، التي لا يتمارى فيها أن في