تعالى بعلمه وحكمته وقدرته، وهو سبحانه الذي يحفظه من الزوال والانهيار، وهو القادر على كل شيء، والجزء المدرك لنا من هذا الكون شاسع الاتساع بصورة لا يكاد عقل الإنسان إدراكها؛ إذ المسافات فيه تقدر ببلايين السنين الضوئية، وهو مستمر في الاتساع اليوم وإلى ما شاء الله. والتعبير القرآني ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ يشير إلى تلك السعة المذهلة. كما يشير إلى حقيقة توسع هذا الكون باستمرار إلى ما شاء الله، وهي حقيقة لم يدركها الإنسان إلا في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، حيث ثبت لعلماء كل من الفيزياء النظرية والفلك أن المجرات تتباعد عنا وعن بعضها البعض بسرعات تتزايد بتزايد بعدها عن مجرتنا، وتقترب أحيانا من سرعة الضوء المقدرة بحوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية، والمجرات من حولنا تتراجع متباعدة عنا، وقد أدرك العلماء تلك الحقيقة من ظاهرة انزياح الموجات الطيفية للضوء الصادر عن نجوم المجرات الخارجة عنا في اتجاه الطيف الأحمر، وقد أمكن قياس سرعة تحرك تلك المجرات في تراجعها عنا من خلال قياس خطوط الطيف لعدد من النجوم في تلك المجرات، وثبت أنها تتراوح ما بين ٦٠ ألف كيلو متر في الثانية و ٢٧٢ ألف كيلو متر في الثانية. وقد وجد العلماء أن مقدار الحيود في أطياف النجوم إلى الطيف الأحمر يعبر عن سرعة ابتعاد تلك النجوم عنا، وأن هذه السرعة ذاتها يمكن استخدامها مقياسا لأبعاد تلك النجوم عنا.
رابعًا: تشير ظاهرة توسع الكون إلى تخلق كل من المادة والطاقة لتملأ المساحات الناتجة عن هذا التوسع، وذلك لأن كوننا تنتشر المادة فيه بكثافات متفاوتة ولكنها متصلة بغير انقطاع، فلا يوجد فيه مكان بلا زمان كما لا يوجد فيه مكان وزمان بغير مادة وطاقة، ولا يستطيع العلم حتى يومنا هذا أن يحدد مصدر كل من المادة والطاقة اللتين تملآن المساحات الناتجة عن تمدد الكون بتلك السرعات المذهلة، ولا تفسير لها إلا الخلق من العدم.