وقال ابن كثير: الاستواء يتضمن معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بإلى فسواهن؛ أي: فخلق السماء سبعًا، والسماء اسم جنس؛ فلهذا قال: ﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ﴾؛ أي: وعلمه محيط بجميع ما خلق، ففي هذا دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولًا، ثم خلق السموات سبعًا، وقد صرح المفسرون بذلك.
فأما قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّا ها * وأَغْطَشَ لَيْلَهَا وأَخْرَجَ ضُحَاهَا * والْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ (النازعات: ٢٧ - ٣٠) فقد قيل: إن ثم هنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر، لا لعطف الفعل على الفعل.
وأضاف ابن كثير أن الدحي كان بعد خلق السموات والأرض، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وفي قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ البقرة، قال مجاهد: خلق الله الأرض قبل السماء.
فهذه دال ة على أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذا ما لا أعلم فيه نزاعًا بين العلماء، إلا ما نقله ابن جرير عن قتادة أنه زعم أن السماء خلقت قبل الأرض.
وقد توقف في ذلك القرطبي في (تفسيره) لقوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا ومَرْعَاهَا * والْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ (النازعات: ٣٠ - ٣٢)، قال: فذكر خلق السماء قبل الأرض.
وفي (صحيح البخاري) أن ابن عباس سئل عن هذا بعينه، فأجاب: بأن الأرض خلقت قبل السماء، وأن الأرض إنما دحيت بعد خلق السماء، وكذلك أجاب غير واحد من علماء التفسير قديمًا وحديثًا.
وقال عدد من المفسرين المحدثين: إن لفظ خلق في هذه الآية الكريمة من سورة البقرة يعني: التقدير دون الإيجاد؛ بمعنى أن جميع مكونات الأرض من نوى


الصفحة التالية
Icon