ونحن نعلم اليوم أن جسد الذبابة مكون من ملايين الخلايا المتخصصة الموزعة في أنسجة متخصصة، وفي أجهزة متعددة تعمل في توافق تام من أجل حياة هذه الحشرة الصغيرة التي ينقسم جسمها إلى رأس وصدر وبطن، ومكون من حلقات مغطاة بزعب كثيف، ومزودة بثلاثة أزواج من الأرجل وبأقدام مغطاة أيضا بزغب كثيف على هيئة الخف، تفرز مواد لاصقة تعين الذبابة على الالتصاق بأي سطح من الأسطح بهيئة معتدلة أو مقلوبة كالتصاقها بأسقف الغرف.
وإذا علمنا أن بجسم الذبابة أكثر من مليون خلية عصبية متخصصة بتحركات تلك الحشرة الضعيفة، وأن هذه الخلايا العصبية مرتبطة بثمانية وثلاثين زوجا من العضلات؛ منها: سبعة عشر زوجا من هذه العضلات من حركة الجناحين وواحد وعشرون زوجا لحركات الرأس، وإذا علمنا أيضا أن للذبابة زوجا من العيون المركبة التي تتكون الواحدة منهما من ستة آلاف عيينة سداسية، يتصل بكل واحدة منها ثمانية خيوط عصبية مستقبلة للضوء، بمجموع ثمانية وأربعين ألف خيط عصبي للعين الواحدة، يمكنها معالجة مائة صورة في الثانية الواحدة.
وإذا فهمنا غير ذلك من الأجهزة المتخصصة وتعقيداتها في جسم الذبابة لأدركنا مدى التحدي الذي أنزله ربنا -تبارك وتعالى- في سورة الحج بقوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾ (الحج: ٧٣).
والطالب في هذه الآية الكريمة هو المسلوب الذي سلبه الذباب شيئا مما هو له، والمطلوب هو الذباب السالب، وسواء كان المسلوب هو المعبود من دون الله صنما كان أو بشرا أو نظاما أو قيما أو أوضاعا معينة، فإنهم جميعا عاجزون عن