ولما لم يكن في زمن الوحي من يدرك من الكائنات الحية ما هو أدق من البعوضة؛ وذلك من مثل الفيروسات، البكتريا، الطحالب، وغيرها من البدائيات والأوليات والفطريات؛ وغير ذلك من الكائنات الدقيقة، ومنها المتطفل وغير المتطفل، ف قد جاءت الصياغة القرآنية المعجزة بقول الحق -تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ وتعبير ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ يشمل المعنيين المتضادين معًا؛ أي ما يفوقها ضآلة في الحجم حتى لا يُرى بالعين المجردة، وما يفوقها ضخامة في البنيان.
وكذلك يشمل هذا التعبير القرآني أخطار البعوضة، كما يشمل أخطار غيرها من الكائنات الدقيقة التي لم تكن معروفة في زمن الوحي في القرآن الكريم، والكائنات التي تفوقها حجما؛ لأن الفوقية في اللغة تعني الزيادة والعلو في صفة يوضحها السياق، وقد استهان الناس في القديم بالبعوضة لضآلة حجمها، فاستنكر القرآن الكريم عليهم ذلك واتخذها مثلا يتحدى به الكفار والمشركين، قبل أن يعرف دورها في نقل العديد من الأمراض الفتاكة بكل من الإنسان والحيوان، بل من قبل أن يعرف الإنسان من ناقلات الأمراض ما هو دونها حجما بما يزيد على اثني عشر قرنًا من الزمان.
ثانيا: من الدلالات العلمية للنص الكريم: النص القرآني يشير إلى خطر البعوضة، والبعوضة هي حشرة ضئيلة الحجم من ثنائيات الأجنحة تتبع عائلة ضخمة من الحشرات، وتضم ما بين الألفين والثلاثة آلاف نوع من البعوض، وتأتي في المرتبة الثانية إعدادا بعد النمل، ويتراوح طول البعوضة بين الثلاثة والتسعة مليمترات.
وهي مع ضآلة حجمها فإن جسمها يتكون كما تتكون أجساد غيرها من الحشرات من رأس وصدر وبطن، ولها ثلاثة أزواج من الأرجل الطويلة النحيلة، وزوج