بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثاني
(أهم الكتب التي عُنيت بالتفسير العلمي)
تتمة الحديث عن نماذج لمؤلفات التفسير العلمي في العصر الحديث
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
كنا تعرضنا لكتاب (طبائع الاستبداد ونصائح الاستعباد) لرجل الإصلاح الإسلامي المرحوم السيد عبد الرحمن. في هذا الكتاب سنتعرض لاهتمامه بالتفسير العلمي:
نرى عبد الرحمن الكواكبي يأخذ في بيان اشتمال القرآن على ما جد من نظريات علمية تؤيد إعجاز القرآن، فيقول: "إنه لو أطلق للعلماء عنان التدقيق، وحرية الرأي والتأليف كما أطلق لأهل التأويل والخرافات؛ لرأوا في ألوف من آيات القرآن ألوف آيات من الإعجاز. أيضًا لرأوا فيه كل يوم آية تتجدد مع الزمان تبرهن على إعجازه بصدق قوله تعالى: ﴿وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (الأنعام: ٥٩) رأوا فيه برهان عيان لا مجرد تسليم وإيمان، ومثال ذلك: أن العلم كشف في هذه القرون الأخيرة حقائق، وطبائع كثيرة تعزى لكاشفيها ومخترعيها من علماء أوربا وأمريكا.
والمدقق في القرآن يجد أكثرها ورد التصريح أو التلميح به في القرآن، منذ ثلاثة عشر قرنًا، وما بقيت مستورة تحت غشاء من الخفاء، إلا لتكون عند ظهورها معجزة للقرآن، شاهدة بأنه كلام رب لا يعلم الغيب سواه. وذلك أنهم كشفوا أن مادة الكون هي الأثير، وقد وصف القرآن بدء التكوين، فقال: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ﴾ (فصلت: ١١)، وكشفوا أن الكائنات في حركة دائمة دائبة. والقرآن يقول: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ (يس: ٣٣) إلى أن يقول: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (يس: ٤٠)، وحققوا أن الأرض منفتقة من النظام الشمسي، والقرآن يقول: ﴿أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ (الأنبياء: ٣٠).
وحققوا أن القمر منشق من الأرض، والقرآن يقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ (الرعد: ٤١) ويقول: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ﴾ (القمر: ١). وحققوا أن طبقات الأرض سبع، والقرآن يقول: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ (الطلاق: ١٢)، وحققوا أنه لولا الجبال لاقتضى الثقل النوعي أن تميد الأرض، أي: ترتج في دورتها. والقرآن يقول: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ (النحل: ١٥)، وكشفوا أيضًا أن التغيير في التركيب الكيمياوي، بل والمعنوي ناشئ عن تخالف نسبة المقادير. والقرآن يقول: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ (الرعد: ٨)، وكشفوا أن للجمادات حياة قائمة بماء التبلور، والقرآن يقول: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ (الأنبياء: ٣٠)،


الصفحة التالية
Icon