ولذلك فإن القرآن الكريم يتحدَّث عن هذه الحقيقة بطريقة غير مباشرة، وبصياغة ضمنيّة لطيفة، ولكنها في نفس الوقت بالغة الشمول، والدقة، والإحكام، وجاء ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن تكور كل من الليل والنهار على الآخر، وولوجه فيه، وانسلاخه منه، وعن مدِّ الأرض وبسطها، وج حوها، وعن كسرة المشارق والمغارب فيها مع بقاء قمة عُظمى، ونهايتين لكل منهما، ومن تلك الآيات قوله تعال ى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ﴾ (الزمر: ٥).
ومعنى ﴿اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾؛ أي: يغشى كل واحد منهما الآخر، كأنه يلفّه عليه، وهو وصف واضح الدلالة على كروية الأرض، وعلى دورانها حول محورها أمام الشمس، وذلك لأن كلًّا من الليل والنهار عبارة عن فترة زمنية تعتري نصف الأرض في تبادل مستمر، ولو لم تكن الأرض مكورة لما تكوَّر أيٌّ منهما، ولو لم تكن الأرض تدور حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار، وكلاهما ظرف زمان وليسا جسمًا ماديًّا يمكن أن يكور، بل يتشكَّل بشكل نصف الأرض الذي يعتريه.
ولما كان القرآن الكريم يُثبت أن الله تعالى يكوِّر الليل على النهار ويكور النهار على الليل، وهما فترتان زمنيتان تعتريان الأرض؛ فلا بد للأرض من أن تكون مكورة، ولا بد لها من الدوران حول محورها أمام الشمس، ومن هنا كان التعبير القرآني بتكوير كل من الليل والنهار فيه إعلام صادق عن كروية الأرض، وعن دورانها حول محورها أمام الشمس بأسلوب رقيق لا يُفزع العقلية السائدة في ذلك الزمان التي لم تكن مستعدَّة لقبول تلك الحقيقة؛ فضلًا عن استيعابها، تلك