فتجد النحل الشغالة المختصة بجمع الرحيق بهدف الاستطلاع والبحث عن أماكن الرحيق الجيد، حتى تعثر عليه، وعلى مسافات تصل إلى عدة أميال، تعود النحلة إلى خليتها، وتدخل فتجتمع حولها وخلفها جمهور الشغالات، كأنها دعتهم إلى مؤتمر هام يتحلَّق الجميع على قرص الشمع حول النحلة الشغالة الداعية، وتشرع هي في الدوران حول نفسها عددًا محدد من الدورات، وهي تميل بزاوية محددة من ناحية قرص الشمس.
واصل العلماء البحث مع النحل، فوضعوا خلاياه على مسافات محددة من مصدر الرحيق الواحد في مكان البحث؛ فلاحظوا أن تغير مكان الرحيق يترتب عليه تغيرًا في عدد دوران النحلة حول نفسها تغيرًا في سرعة الدوران، وتغيرًا في ميل جناحها على ناحية الشمس.
فالنحل ينطلق بزاوية ارتفاع محددة إلى مسافة في السماء، تُحدد بعدد من الدورات، ثم ينطلق موازيًا للأرض مسافة محددة، ثم يهبط كأنه قذيفة موجهة إلى حيث يوجد الأزهار، وقد ثبت أن النحل يُوظِّف عدَّة حواس لأداء مهمته تلك، فهو يشمُّ ويتذوَّق ويبصق، وحتى يُصدر أصواتًا إنه يشم، فما هي أعضاء الشم التي يمتلكها: إنها خلايا متخصصة تنتشر على قرون استشعار، وهي الخلايا؛ أي: الأعضاء التي يستطيع بها النحل تمييز رائحة الزهرة في الحقل، وكذلك يستطيع بها أن يميِّز رائحة الخلية التي ينتمي إليها. إن الرائحة الأسرية، أو رائحة المستعمرة عبارة عن مادة تسمى فرمون، تفرزه ملكة الخلية من غُددها الفكية، وهي المادة التي تجذب بها الذكور التي تلاحقها في طيران الزفاف الملكي، وهي المادة نفسها التي تنثُرها الملكة في الخلية على الشغالات، فتصيبها بالعقم، فلا يكون لهنَّ عمل في الإنجاب، وهي المادة نفسها التي تشيع في أرجاء الخلية، ويعرفها كل فرد يعيش في هذه الخلية.


الصفحة التالية
Icon