وجاء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي ((لقد تحجَّرت واسعًا))، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد، قال ابن مندور ((لقد تحجَّرت واسعًا))؛ أي: ضيقت ما وسَّعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك، ونستطيع أن نفهم الحجر هنا، بأن الكائنات الحية في منطقة اللقاء بين البحر والنهر، تعيش في حجر ضيق ممنوعة أن تخرج من هذا الحجر، ووصفت هذه المنطقة بأنها محجورة؛ أي: ممنوعة، ونفهم من هذا اللفظ معنى مستقلًّا عن الأول؛ أي: أنها أيضًا منقطعة ممنوعة على كائنات أخرى من أن تدخل إليها، فهي حجر حبس على الكائنات التي فيها، محجورة على الكائنات الحية بخارجها.
ويكون المعنى عندئذٍ: وجعل بين البحر والنهر برزخًا مائيًّا، هو الحاجز المائي المحيط بماء المصبِّ، وجعل الماء بين النهر والبحر حبسًا على كائناته الحية، ممنوعة عن الكائنات الحية الخاصة بالبحر والنهر.
ولم يتيسَّر للمفسرين الإحاطة بتفاصيل الأسرار التي ألمحت إليها الآية؛ لأنها كانت غائبة عن مشاهدتهم، وتعدَّدت أقوالهم في تفسير معانيها الخفية، فقال بعضهم في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾؛ أي: خلطهما فهما يلتقيان، ويستند هذا القول إلى المعنى اللغوي للفظ ﴿مَرَجَ﴾، وقررت طائفة أخرى من المفسرين أن معنى ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾؛ أي: هو الذي أرسلهما في مجاريهما فلا يختلطان.
قال ابن الجوزي: "قال المفسرون: والمعنى أنه أرسلهما في مجاريهما، فلا يلتقيان، ولا يختلط الملح بالعذب، ولا العذب بالملح". وقال أبو السعود: " ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾؛ أي: خلاهما متجاورين متلاصقين، بحيث لا يتمازجان، من مرج دابته؛ أي: أخلاها". وبمثله قال البيضاوي والشنقيطي في أحد قوليه،