وما عرف الإنسان أن البحار الملحة بحار مختلفة إلا في الأربعينات من هذا القرن، بعد أن أقام الدارسون آلاف المحطات البحرية لتحليل عينات من مياه البحار، وقاسوا في كل منها الفروق في درجات الحرارة، ونسبة الملوحة، ومقدار الكثافة، ومقدار ذوبان الأكسجين في مياه البحار في كل المحطات، فأدرك بعدئذٍ أن البحار متنوعة.
وما عرف الإنسان البرزخ الذي يفصل بين البحار الملحة إلا بعد أن أقام محطات الدراسة البحرية المشار إليها، وبعد أن قضى وقتًا طويلًا في تتبُّع وجود هذه البرازخ المتعرجة المتحركة التي تتغير في موقعها الجغرافي بتغيّر فصول العام.
وما عرف الإنسان أن ماء البحرين منفصلان عن بعضهما بالحاجز المائي ومختلطان في نفس الوقت إلا بعد عكف يدرس بأجهزته وسفنه حركة المياه في مناطق الالتقاء بين البحار، وقام بتحليل تلك الكتل المائية في تلك المناطق، وما قرر الإنسان هذه القاعدة على كل البحار التي تلتقي، إلا بعد استقصاء ومسح علمي واسع، لهذه الظاهرة التي تحدث بين كل بحرين.
فهل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يملك تلك المحطات البحرية، وأجهزة تحليل كتل المياه، والقدرة على تتبع حركة الكتل المائية المتنوعة، وهل قام بعملية مسح شامل، وهو الذي لم يركب البحر قط، وعاش في زمن كانت الأساطير هي الغالبة على تفكير الإنسان، وخاصة في ميدان البحار، وصدق الله القائل: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ (فصلت: ٥٣).