سِنِينَ عَدَدًا} (الكهف: ١١)، ومن هنا عندما تعطَّل السمع، استطاعوا النوم مئات السنين دون أي إزعاج، ذلك أن ضجيج الحركة في النهار، يمنع الإنسان النوم العميق، وسكونها بالليل يجعله ينام نومًا عميقًا، وهي لا تنام ولا تغفل أبدًا.
على أن هناك شيئًا آخر نلاحظه، هو أن الله -سبحانه وتعالى- يأتي بكلمة ﴿السَّمْعَ﴾ مفردة دائمًا، وكلمة الأبصار مجموعة، يقول الله -سبحانه وتعالى- في سورة فصلت: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ (فصلت: ٢٢)، لماذا تأتي كلمة ﴿السَّمْعَ﴾ مفردة وكلمة ﴿وَالْبَصَرَ﴾ مجموعة، مع أنه يمكن أن يقول أسماعكم وأبصاركم، وكان من المنطقي أن يكون هناك سمع وبصر أو أسماع وأبصار، ولكن الله -سبحانه وتعالى- بهذا التعبير الدقيق، أراد أن يكشف لنا دقة القرآن الكريم، فالبصر حاسَّة يتحكم فيها الإنسان بإرادته، فأنا أستطيع أن أ ُ بصر ولا أ ُ بصر، وأستطيع أن أُغمض عيني عما لا أريد أن أراه أو أدير وجهي، أو أدير عيني بعيدًا عن الشيء الذي أريد أن أتجاهله، ولكن الأذن ليس لها اختيار في أن تسمع أو لا تسمع، فأنت في حجرة يتكلم فيها عشرة أشخاص، تصل أصواتهم جميعًا إلى أذنيك، سواء أردت أو لم ترد، أنت تستطيع أن تدير بصرك، فترى منهم من تريد أن تراه، ولا ترى مَن لا تريد رؤيته، ولكنك لا تستطيع أن تسمع ما تريد أن تسمعه، ولا تسمع ما لا تريد، قد تتجاهله وتحاول أن تبدو وكأنك لم تسمعه، ولكنه يصل إلى أذنيك، سواء أردت أو لم ترد.
إذًا فالأبصار تتعدد، أنا أرى هذا وأنت ترى هذا وثالث يرى هذا، إلى آخر تعدد الأبصار، وإنسان يغمض عينيه فلا يرى شيئًا، ولكن بالنسبة للسمع فنحن جميعًا، ما دمنا جالسين في مكان واحد، فكلنا نسمع نفس الشيء، ومن هنا اختلف البصر، ولكن توحَّد السمع؛ كل واحد له بصر ينظر به إلى المكان الذي