إذًا لماذا هذا التقدم بحاسة السمع، وإراده قبل حس البصر في كل الآيات تقريبًا، فلا بد وأن هناك سبب لم نعرفه بعدُ، ولكننا لو تبصرنا بالحقائق العلمية، التي عُرفت حديثا في علوم الأجنة والتشريح والفسيولوجي والطب، لتمكنا من إيجاد الأجوبة، ولاتضح لنا الإعجاز العلمي في هذه الآيات الكريمة. فمما عرفناه حتى الآن من هذه الحقائق:
١ - تتطور آلتا حسي السمع والبصر في وقت متزامن تقريبًا في الحياة الجنينية الأولى؛ إذ تظهر الصحيفة السمعية في أواخر الأسبوع الثالث، وهي أول مكونات آلة السمع، بينما تظهر الصحيفة البصرية في أول الأسبوع الرابع من حياة الجنين، وتتطور الأذن الداخلية للجنين من هذه الصحيفة السمعية؛ فيظهر في الأسبوع الرابع الكيس الغشائي لحلزون الأذن الذي ينمو طوليًّا ويلتف لفتين ونصف مكونًا الحلزون الكامل في الأسبوع الثامن، ثم تتم إحاطة الحلزون بغلاف غضروفي في الأسبوع الثامن عشر، وينمو هذا حتى يصل حجمه الحجم الطبيعي له عند البالغين في نهاية الأسبوع الحادي والعشرين، عندما ينمو فيه عضو الكردي، وهو عضو حس السمع، وتظهر فيه الخلايا الشعرية الحسية، التي تحاط بنهايات العصب السمعي.
وبذا تكون الأذن الداخلية قد نمت ونضجت، لتصل إلى حجمها الطبيعي عند البالغين، وأصبحت جاهزة للقيام بوظيفة السمع المخصصة لها، في الشهر الخامس من عمر الجنين، وهذا القسم من الأذن يتمكن منفردًا من التحسس للأصوات، ونقل إشاراتها إلى الدماغ؛ لإدراكها دون أية ضرورة لمساهمة الأذنين الوسطى والخارجية من الأديم الظاهر، والأذن الوسطى من الأديم المتوسط، فتتولَّد عُظيمات وعضلات الأذن الوسطى، وبوق وغشاء الطبلة