"الْكُرْسِيّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ وَله أطيط كأطيط الرحل الْجَدِيد إِذا ركب عَلَيْهِ من يثقله مَا يفضل مِنْهُ أَربع أَصَابِع" (١).
وَأَنت تعلم أَن ذَلِك وَأَمْثَاله لَيْسَ بالداعي الْقوي لنفي الْكُرْسِيّ بِالْكُلِّيَّةِ
فَالْحق أَنه ثَابت كَمَا نطقت بِهِ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة وتوهم التجسيم لَا يعبأ بِهِ وَإِلَّا لزم نفي الْكثير من الصِّفَات وَهُوَ بمعزل عَن اتِّبَاع الشَّارِع وَالتَّسْلِيم لَهُ.
وَأكْثر السّلف الصَّالح جعلُوا ذَلِك من الْمُتَشَابه الَّذِي لَا يحيطون بِهِ علما وفوضوا علمه إِلَى الله تَعَالَى مَعَ القَوْل بغاية التَّنْزِيه وَالتَّقْدِيس لَهُ تَعَالَى شَأْنه.
والقائلون بِالظَّاهِرِ من الصُّوفِيَّة لم يشكل عَلَيْهِم شَيْء من أَمْثَال ذَلِك.
وَقد ذكر بعض العارفين مِنْهُم أَن (الْكُرْسِيّ) عبارَة عَن تجلي جملَة الصِّفَات الفعلية فَهُوَ مظهر إلهي وَمحل نُفُوذ الْأَمر وَالنَّهْي والإيجاد والإعدام الْمعبر عَنْهُمَا بالقدمين. وَقد وسع السَّمَوَات وَالْأَرْض وسع وجود عَيْني ووسع حكمي لِأَن وجودهما الْمُقَيد من آثَار الصِّفَات الفعلية الَّذِي هُوَ مظهر لَهَا وَلَيْسَت القدمان فِي الْأَحَادِيث عبارَة عَن قدمي الرجلَيْن وَمحل النَّعْلَيْنِ تَعَالَى الله سُبْحَانَهُ عَن ذَلِك علوا كَبِيرا وَلَا الأطيط عبارَة عَمَّا تسمعه وتفهمه فِي الشَّاهِد بل هُوَ إِن لم تفوض علمه إِلَى الْعَلِيم الْخَبِير إِشَارَة إِلَى بروز الْأَشْيَاء المتضادة أَو اجتماعها فِي ذَلِك الْمظهر الَّذِي هُوَ منشأ التَّفْصِيل والإبهام وَمحل الإيجاد والإعدام، ومركز الضّر والنفع والتفريق وَالْجمع. وَمعنى "مَا يفضل