وَقد صرح بعض الفلاسفة بِأَن المرئي هُوَ كرة البخار وثخنها أحد وَخَمْسُونَ ميلًا وتسع وَخَمْسُونَ دقيقة وَالْمَجْمُوع سَبْعَة عشر فرسخا وَثلث فَرسَخ تَقْرِيبًا وَذكروا أَن سَبَب رؤيتها زرقاء أَنَّهَا مستضيئة دَائِما بأشعة الْكَوَاكِب وَمَا وَرَاءَهَا لعدم قبُول الضَّوْء كالمظلم بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا فَإِذا نفذ نور الْبَصَر من الْأَجْزَاء المستنيرة بالأشعة إِلَى الْأَجْزَاء الَّتِي هِيَ كالمظلم رأى النَّاظر مَا فَوْقه من المظلم بِمَا يمازجه من الضياء الأرضي والضياء الكوكبي لونا متوسطا بَين الظلام والضياء وَهُوَ اللَّوْن اللازوردي وَذَلِكَ كَمَا إِذا نَظرنَا من جسم أَحْمَر مشف إِلَى جسم أَخْضَر فَإِنَّهُ يظْهر لنا لون مركب من الْحمرَة والخضرة
وَأَجْمعُوا أَن السَّمَاوَات الَّتِي هِيَ الأفلاك لَا ترى لِأَنَّهَا شفافة لَا لون لَهَا لِأَنَّهَا لَا تحجب الْأَبْصَار عَن رُؤْيَة مَا وَرَاءَهَا من الْكَوَاكِب وكل ملون فَإِنَّهُ يحجب عَن ذَلِك
وَتعقب ذَلِك الرَّازِيّ بقوله إِنَّا لَا نسلم أَن كل ملون حَاجِب فَإِن المَاء والزجاج ملونان لِأَنَّهُمَا مرئيان وَمَعَ ذَلِك لَا يحجبان
فَإِن قيل فيهمَا حجب عَن الإبصار الْكَامِل قُلْنَا وَكَيف عَرَفْتُمْ أَنكُمْ أدركتم هَذِه الْكَوَاكِب إدراكا تَاما انْتهى
على أَن مَا ذَكرُوهُ لَا يتمشى فِي المحدد إِذْ لَيْسَ وَرَاءه شَيْء حَتَّى يرى وَلَا فِي الْفلك الَّذِي يسمونه بفلك الثوابت أَيْضا إِذْ لَيْسَ فَوْقه كَوْكَب مرئي
وَلَيْسَ لَهُم أَن يَقُولُوا لَو كَانَ كل مِنْهُمَا ملونا لَوَجَبَتْ رُؤْيَته لأَنا نقُول جَازَ أَن يكون لَونه ضَعِيفا كلون الزّجاج فَلَا يرى من بعيد