﴿الكتاب﴾ ﴿آيَاتٌ﴾ ﴿مُّحْكَمَاتٌ﴾ ﴿مُتَشَابِهَاتٌ﴾ ﴿تَشَابَهَ﴾ ﴿الراسخون﴾ ﴿آمَنَّا﴾ ﴿أُوْلُواْ﴾ ﴿الألباب﴾
(٧) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي أنْزَلَ القُرآنَ عَلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَكَانَ مِنْ حِكْمَتِهِ أنْ جَعَلَ مِنْهُ آيَاتِ مُحْكَمَاتٍ مُحَدَّدَةَ المَعْنَى، بَيِّنَةَ المَقَاصِدِ، هِيَ الأصْلُ وَإليهَا المَرْجِعُ (أمُّ الْكِتَابِ). وَجَعَلَ مِنْهُ آيَاتٍ مُتَشَابِهَاتٍ، يَدِقُّ فَهْمُ مَعْنَاهَا عَلَى كَثيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَتَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ.
فَيَأخُذُونَ المُتَشَابِهَ الذِي يَسْتَطِعُونَ تَحْرِيفَهُ لِيَسْتَخْدِمُوهُ فِي الوُصُولِ إلى أغْراضِهِم الفَاسِدَةِ مِنْ إضْلاَلِ النَّاسِ لاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لِمَا يَصْرِفُونَهُ إلَيْهِ. امَّا المُحْكَم فَإنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِعُونَ الإفَادَةَ مِنْهُ لأنَّهُ دَامِغٌ لَهُمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيهِم.
امَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ عَنِ الحَقِّ، فَإنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ المُتَشَابِهَ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِي إثَارَةِ الفِتْنَةِ، وَيَسْتَعِينُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا فِي غَرَائِزِ النَّاسِ وَطِبَاعِهِمْ مِنْ شَكٍّ فِيمَا لَمْ يَصْل إليهِ عِلْمُهُمْ، وَلاَ يَنَالُهُ حِسُّهُمْ. كَالإِحْيَاءِ بَعْدَ المَوْتِ، وَجَميعِ شُؤُونِ الَعالَمِ الآخَر. وَيَأخُذُونَ المُتَشَابِهَ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ نَظَرٍ إلى المُحْكَمِ، وَيَرْجِعُونَ فِي تَفْسِيرِ المُحْكَمِ إلى أهْوَائِهِمْ، دُونَ نَظَرٍ إلى المُحْكَمِ، وَيَرْجِعُونَ فِي تَفْسِيرِ المُحْكَمِ إلى أهْوَائِهِمْ، وَتَقَالِيدِهِمْ، لاَ إلى الأصْلِ المُحْكَمِ الذِي بُنِيَ عَلَيهِ الاعْتِقَادُ.
وَتَأوِيلُ المُتَشَابِهِ مِنَ القُرَآنِ لاَ يَعْلَمُهُ إلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ، المُتَمَكِّنُونَ مِنْهُ.
(وَقَالَ بَعْضُ المُفَسِرينَ المُتَقَدِّمِينَ: إنَّ المَفْهُومَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ: أنَّه لاَ يَعْلَمُ تَفْسِيرَ المَتَشَابِهِ إلاّ اللهُ. أمَّا الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ فَعِبَارَةٌ مُسْتَأنَفَةٌ).
وَهَؤُلاءِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمَ يَرُدُّونَ المُتَشَابِهَ إلى المُحْكَمِ، وَيُؤْمِنُونَ بِهذَا وَهذا عَلَى حَقٌّ وَصِدْقٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَلاَ يُفَرِّقُونَ بَينَ مُحْكَمِ القُرَآنِ وَمُتَشَابِهِهِ.
وَلاَ يَعْقِلُ ذَلِكَ وَلاَ يَفْهَمُهُ إلاّ أصْحَابُ العُقُولٍ السَّلِيمَةِ التِي لاَ تَخْضَعُ لِتَأثِيرِ الهَوَى والشَّهَواتِ.
وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ فَقَالَ عَنْهُمْ: " مَنْ بَرَّتْ يَمِينُهُ، وَصَدَقَ لِسَانُهُ، وَاسْتَقَامَ قَلْبُهُ، وَمَنْ عَفَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ، فَذَلِكَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي العِلْمِ " (أَخْرَجَهُ ابْنُ أبي حَاتِمٍ).