﴿ياأيها﴾ ﴿لأَزْوَاجِكَ﴾ ﴿الحياة﴾
(٢٨) - بَعْدَ أَنْ نَصَرَ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ ﷺ عَلَى الأْحَزَابِ، وَعَلى بَني قُرَيْظَةَ، ظَنَّ أَزْوَاجُهُ أَنَّهُ اخْتَصَّ بِنَفَائِسِ اليَهُودِ، وَذَخَائِرِهِمْ، فَجِئْنَهُ يُطَالِبْنَهُ بالتَّوْسِعَةِ عَلَيهِنَّ، وَبِمُعَامَلَتِهِنَّ مُعَامَلَةَ نِسَاءِ المُلُوكِ، فآلمْنَ قَلْبَهُ الشَّرِيفَ بِمَطَالِبِهنَّ، فَأَمَرهُ اللهُ تَعَالى يِأَنْ يَتْلُو عَلَيْهِنَّ مَا أَنْزَلَ عَليهِ بِشَأْنِهِنَّ.
وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَسْتَأْذِنَانِ عَليهِ فَلَمْ يَأذَنْ لَهُما، ثَمَّ أَذَنَ لَهُما، فَدَخَلا فَوَجَدا الرَّسُولَ جَالِساً وَحَولَهُ نِسَاؤُهُ وَهُمْ سُكُوتٌ. فَتَكَلَّمَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ رَأَيتَ ابْنَةَ زَيدٍ (يَعِني زَوْجَةَ عُمَرَ) سَأَلَتني النَّفَقَةَ فَوَجَأْتُ عُنُقَها (أَيْ قَطَعْتُهُ) فَضَحِكَ الرَّسُولُ. وَقَالَ: هُنَّ حَولي يَسْأَلَنِني النَّفَقَة. فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلى عَائِشَةَ لِيَضْرِبَهَا، وَقَامَ عُمَرُ إِلى ابنَتِهِ حَفْصَةَ لِيَضْرِبَها، وَكُلَ مِنْهُما يقولُ: تَسْأَلانِ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَا لَيْسَ عِنْدَه! فَنَهَاهُمَا الرَّسُولُ ﷺ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَتَا: وَاللهِ لا نَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بَعْدَ هذا المَجْلِسِ مَا لَيسَ عِنْدَهُ.
وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالى الخِيَارَ، فَبَدأَ رَسُولُ اللهِ بِعَائِشَةَ، رِضْوَانُ اللهِ عَلَها، فَقَالَ لَها: إِنِّ أَذْكُرُ لَكِ أَمْراً مَا أُحِلُّ أَنْ تَعْجَلِي فيهِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ. قَالَتْ وَمَا هُوَ؟ فَتَلا عَليها الآيَةَ: ﴿ياأيها النبي قُل لأَزْوَاجِكَ...﴾ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَفِيكَ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ بَلْ أَخْتَارُ الله وَرَسُولَهُ، وأَسْأَلُكَ أَلاَّ تَذْكُرَ لامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِكَ مَا اخْتَرْتُ. فَقَالَ لَهَا الرَّسُولُ: إِن اللهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّفاً، وَلكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّماً وَمُيَسِّراً، لاَ تَسَأَلُنِي امْرَأضةٌ مِنْهُنَّ عَمَّا اخْتَرْتِهِ إِلاَّ أَخْبَرتُها ثُمَّ وَعَظَهُنَّ اللهُ بَعْدَ أَنْ اخْتَرْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ، وخَصَّهُنَّ بِأَحْكَامٍ.
وَمَعنَى الآيةِ الكَريمةِ: يَا أَيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ اخْتَرْنَ لأَنْفُسِكُنَّ إِحْدَى خَلَّتَيْنِ:
- الأُولى: إِنْ كُنْتُنَّ تُحَبِبْنَ الحَيَاةَ الدُّنيا، وَزِينَتها، وَزُخْرُفَهَا، فَلَيْسَ لَكُنَّ مُقَامٌ عِندِي، إِذْ ليسَ عِندِي شَيءٌ مِنها، فَأَقْبِلَنَ إِلَيِّ أُعطِكُنَّ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَى الرِّجَالِ لِلنِّساءِ مِنَ المُتَعَةِ عِنْدَ مُفَارَقَتِهِمْ إِيَّاهُنَّ بِالطَّلاقِ.
- أَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ جَاءَتْ فِي الآيةِ التَّالِيَةِ.
أُمتّعْكُنَّ - أُعْطِكُنّ مُتْعَةَ الطَّلاقِ.
أَسَرِّحْكُنَّ - أُطَلِّقْكُنَّ.
سَرَاحاً جميلاً - طَلاقاً حَسَناً لا ضِرَارَ فيهِ.