(٥٧) - رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَلَسَ يَوْماً مَعَ الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ المَخْزَومِيِّ فِي المَسْجِدِ فَجَاءَ النَّضْرُ بنُ الحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُم، وَفِي المَجْلِسِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَعَرَضَ لَهُ النضْرُ بِنُ الحَارِثِ فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ حَتَّى أَفْحَمَهُ، ثُمَّ تَلاَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ.﴾ ثُمَّ قَامَ رَسُولِ اللهِ ﷺ. ثُمَّ جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزِّبَعْرَى فَقِيلَ لَهُ إِنَّ مُحَمَّداً خَصَمَ النَّضْرَ، وَقَدْ زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ آلِهَةٍ حَصَبُ جَهَنَّمَ. فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: وَاللهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصمْتُهُ. سَلُوا مُحَمَّداً أَكل مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ فِي جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ؟ فَنَحْنُ نَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، وَاليُهُودُ تَعْبُدُ عُزِيْراً، والنَّصَارَى تَعْبُدُ المَسِيحَ. فَذَكَرَوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ " فَقَالَ: كُلُّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللهِ فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ وَمَنْ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ ".
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الآيَةَ الكَرِيمَةَ: ﴿إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا
١٦٤٩; لحسنى أولئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ.﴾ وَهَؤُلاَءِ الذِينَ سَبَقَتْ لَهُمُ الحُسْنَى مِنَ اللهِ تَعَالى، هُمُ الذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللهِ، فَاتَّخَذَهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلاَلَةِ أَرْبَاباً مِنْ دُونِهِ.
وَفِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ الكَرِيمِ: لَمَّا ضَرَبَ ابْنُ الزِّبَعْرَى عِيَسى بْنَ مَرْيَمَ مَثَلاً، وَجَادَلَ رَسُولَ اللهِ فِي عِبَادَةِ النَّصَارَى لَهُ إِذَا قَوْمُكَ يَرْتَفِعُ لَهُمْ ضَجِيجٌ وَجَلَبَةٌ مِنْ فَرَحِهِمْ بِهَذَا المَثَلِ الذِي ظَنُّوا أَنَّهُ أَفْحَمَ بِهِ النَّبِيَّ الكَرِيمَ.
مِنْهُ يَصِدُّونَ - يَضِجُّونَ وَيَصِيحُونَ وَيُصِفِّقُونَ فَرَحاً مِنْ أَجْلِهِ.