﴿كَلاَمَ﴾
(١٥) - بَعْدَ أَنْ أمِنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَرَّ قُرَيشٍ بَعَهْدِ الحُدَيْبِيَةِ، اتَّجَهَ إِلى اليَهُودِ في خَيْبَرَ لِيَسْتَأْصِلَ شَأفَتَهُمْ، وَيَقضِي عَلَى شَرِّهِمْ؛ إِذْ لاَقَى الرَّسُولُ وَالمُسْلِمُونَ مِنَ اليَهُودِ، وَكَيْدِهِم الشَّيءَ الكَثيرَ. وَلما أَرَادَ الرَّسُولُ ﷺ الخُرُوجَ إِلى خَيْبَر تَقَدَّمَ الأَعْرَابُ، الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ السَّيرِ مَعَ الرَّسُولِ إِلى الحُدَيْبِيَةِ، يَطْلُبُونَ الإِذْنَ لَهُمْ بِالخُرُوجِ مَعَهُ إِلى خَيْبَرَ، فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَه ﷺ بِألاَّ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالخُرُوجِ مَعَهُ، لأَنَّهُمْ قَعَدُوا حِينَما كَانَتْ هُنَاكَ مَخَاطِرُ حَرْبٍ شَدِيدةٍ، وَهُمْ يُرِيدُونَ الخُروُجَ الآنَ لِيَحُوزُوا المَغَانِمَ السَّهْلَةَ، فَقَالَ هؤلاءِ المَخْلَّفُونَ إِنَّ سَبَبَ مَنْعِهِمْ مِنَ الخُرُوجِ إِلى خَيْبَر هُوَ حَسَدُ المُؤْمِنينَ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ في المَغْنَمِ.
وَمَعْنَى الآيةِ: يَقُولُ الذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْ صُحْبَتِكَ في عُمْرَةِ الحُدَيْبِيَةِ، مُعْتَذِرينَ بِرِعَايَةِ مَصَالِحِهمْ وَأَمْوَالِهِمْ، دَعُونا نَسِرْ مَعَكُمْ إِلى خَيْبَرَ، وَهُمْ بِذلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا مَا وَعَدَ اللهُ بِهِ الرَّسُولَ وأَصْحَابَهُ، الذِينَ سَارُوا مَعَهُ إِلى الحُدَيِبْيَةِ، بِأَنَّ يَكُونَ لَهُمْ مَغْنَمُ خَيْبَرَ خَالِصاً لاَ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ. فإِذا سَمَحَ الرَّسُولَ لَهُمْ بِالخُرُوجِ مَعَهُ إِلى خَيْبَرَ كَانَ لَهُمْ حَقٌّ بِالمُشَارَكَةِ فِي الْمَغْنَمِ. وَفِي ذَلِكَ تَبْدِيلٌ لِكَلِماتِ اللهِ وَوَعْدِهِ. وَأَمَرَ اللهُ تَعَالى رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِهؤلاءِ الأَعرابِ: لَنْ تَتْبَعُونا كَذلك قَالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ، إِذْ إِنَّ اللهَ جَعَلَ مَغْنَمَ خَيْبَرَ خَالِصاً لِمَنْ كَانُوا مَعَ الرَّسُولِ في الحُدَيْبِيَةِ، فادَّعَى هؤُلاءِ الأعْرَابُ أَنَّ اللهَ مَا قَالَ ذلكَ مِنْ قَبْلُ، بَل إِنَّ المُسْلِمينَ يَحْسَدُونَهُمْ وَلا يُريدُونَ أَنْ يُشَارِكَهُمْ أَحَدٌ في المَغْنَمِ. وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالى قَائِلاً لهؤلاءِ: إِنَّ الأَمْرَ لَيْسَ كَما قَالَ هؤُلاءِ المُنَافِقُونَ مِنْ أَنَّكُمْ تَمْنَعُونَهُمْ عَنِ اتِّبَاعِكُمْ حَسَداً مِنْكُمْ لَهُمْ، وَإِنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ القَوْلَ لأَنَّهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ أَمْرَ الدِّينِ إِلاَّ قَلِيلاً وَلَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ لما اتَّهَمُوا الرَّسُولَ وَالمؤْمِنِينَ بالحَسَدِ، وَلما نَفَوا أنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ وَعَدَ أَصْحَابَ الحُدَيْبِيَةِ بِحَوْزِ مَغْنَمِ خَيْبَرَ وَحْدَهُمْ.
ذُرُونَا نَتَّبِعْكُمْ - دَعُونا نخْرُجْ مَعَكُمْ إِلى خَيْبَرَ.
كَلاَمَ اللهِ - حُكْمَهُ بِاخْتِصَاصِ أَهْلِ الحُدَيْبِيَةِ بِالمَغْنَمِ.


الصفحة التالية
Icon