(١٥٩) - لَقَدْ كَانَ مِنَ أَصْحَابِكَ مَا يَسْتَحِقُّ المَلاَمَةَ وَالتَّعْنِيفَ، بِمُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ البَشَرِيَّةِ، إذْ تَخَلَّوْا عَنْكَ حِينَ اشْتِدَادِ الحَرْبِ، وَشَمَّرُوا لِلْهَزِيمَةِ وَالحَرْبِ قَائِمَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لِنْتَ لَهُمْ، وَعَامَلْتَهُمْ بِالحُسْنَى، لِرَحْمَةٍ أوْدَعَها اللهُ فِي قَلْبِكَ، وَخَصَّكَ بِهَا. وَقَدْ مَدَحَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِحُسْنِ الخُلُقِ فِي أَكْثَرِ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ العَزِيزِ. ثُمَّ قَالَ لَوْ كُنْتَ خَشِناً جَافِياً فِي مُعَامَلَتِهِمْ لَتَفَرَّقُوا عَنْكَ، وَلَنَفَرُوا مِنْكَ، وَلَمْ يَسْكُنُوا إلَيْكَ، وَلَكِنَّ اللهَ جَمَعَهُمْ عَلَيْكَ، وَأَلانَ جَانِبَكَ لَهُمْ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِهِمْ. ثُمَّ أمَرَ اللهُ رَسُولَهُ ﷺ بِأَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ وَهَفَوَاتِهِمْ، وَأنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُم الله، وَأنْ يُشَاوِرَهُمْ فِي الأَمْرِ تَطِييباً لِقُلُوبِهِمْ، وَشَحْذاً لِهِمَمِهِمْ.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ. فَإذا شَاوَرْتَهُمْ فِي الأَمْرِ، وَعَزَمْتَ عَلَى إِنْفَاذِهِ، فَتَوكَّلْ عَلَى اللهِ فِيهِ، لأنَّ اللهَ يُحِبُّ مَنْ يَتَوكَّلُ عَلَيْهِ، وَيَثِقُ بِنَصْرِهِ.
فَبِمَا رَحْمَةٍ - فَبِسَبَبِ رَحْمَةٍ عَظِيمَةٍ رُكِّبَتْ فِيكَ.
الفَظُّ - الخَشِنُ أوِ الشَّرِسُ الأَخْلاَقِ.
الغَلِيظُ - القَاسِي.
انْفَضَّ القَوْمُ - تَفَرَّقُوا.